arablog.org

أنور رحماني: رسالة مفتوحة إلى عبد المجيد تبّون للرد حول فحوى الحوار الصحفي الأخير

السيّد عبد المجيد تبّون، أكتب لك هذه الرسالة بصفتي مواطن جزائري لم يصوّت لك أو لأي  مرشّح آخر في الأنتخابات الرئاسية السابقة، ذلك أنّي رأيت حلم الشعب الجزائري أكبر من أن يوضع في قالب جديد مرّة أخرى وأن يحبس الهواء عنه ليرتدي مرة أخرى لباس الذل والمهانة، وبصفتي كاتب ومدافع عن حقوق الإنسان أيضًا ذلك أنّ هذا الجانب سيكون له  مركزًا مهمًا في هذه الرسالة بسبب عمليات القمع التي تشهدها الجزائر ضدّ حرية التعبير وحقوق الإنسان منذ وصولكم لسدّة الحكم، مع ذلك أنت هو الرئيس الفعلي للجزائر بحكم الأمر الواقع وليس بحكم الشرعية الديمقراطية،  الأمر الواقع الذي فُرِضَ على الجزائريين قنصًا لآمالهم وأحلامهم مرّة أخرى ورفضًا لأن يتّسع أفق هذا الشعب ولتدمير نفسيته وتطلّعاته العادلة والمشروعة ولتحطيم توقه للحرية والكرامة.

حسنًا أكتب لك هذه الرسالة بأسلوب محترم، مثلما طلبت أنت في حوارك، بدون سب ولا شتم ولا “تجريح”، بل  كرد منطقي على جملة من الخرافات اللامنطقية التي أتيت بها، حسنًا لن أتحدث عن عملية عد رؤوس الخرفان بالدرون والجي بي اس، ذلك أن المغنية المغربية نجاة عتابو أبلغ في الرد منّي في هذه المسألة، ولا عن مسألة إقتصاد المعرفة كما سميته، كنت أظنك تقصد بشكل أفضل إقتصاد “المعريفة” أو الواسطة الذي تعرفه الجزائر في ظل نظام لم يتغيّر فيه شيء إلى الآن إلّا نحو الأسوء، ولكنّي سأخصّص رسالتي للحديث عن هامش “حرية التعبير” أو الحريّة المطلقة التي تحدّثت عنها، ولكن  قبل هذا دعني أعرج عن الحراك، وعمليّة الإنتقام الممنهجة التي تقوم بها أجهزتكم القمعية ضدّه، عمليّة قمعية متواصلة حتّى في ظل انتشار وباء كورونا، استغلالًا لوضع طبيعي ولقوّة قاهرة، أسلوب أقل ما يمكن تسميته به هو “الغدر” والغدر يا سيّد تبّون ليس من شيم “الإنسان الشريف”، لو كان النظام قد تغيّر حقًا مثلما صرّحت بذلك لماذا إذن تجري عمليات انتقاميّة واسعة باسم “القانون”، ضدّ ناشطي الحراك وأبطاله في كل الولايات؟، إلّا أن يكون النظام الذي تمثّله اليوم أنت في الواجهة  بدلًا من الممثل السابق عبد العزيز بوتفليقة، يريد أن يقوم بعملية خنق للحراك بجز رؤوسه لتخويف الشعب الجزائري لعدم الثورة مجدّدًا أو المواصلة في حراكه خاصة بعد زوال وباء كورونا، ما تحاولون القيام به اليوم بآلتكم القمعيّة يسمّى بالترويض، أنتم تحاولون ركوب هذا الحصان الثائر ضدّكم لتجعلوه يقبّل بثقافة السيّد والعبد التي صدّرها لنا أوصياء البترودولار العرب الذين يحاولون بكل قوّتهم تدمير أي تجربة ديمقراطية في المنطقة لأسباب عدّة لا يمكنني أن أعدّدها اليوم تلخيصًا لنص الرسالة الموجّهة لحضرتك، ولكنّ مشكلتكم أنّكم لا تفهمون أنّ العقل الجمعي الجزائري أكثر تطوّرًا بمراحل من العقل الجمعي للشعوب التي تحكمها عروش البترودولار ومن المستحيل أن يتحوّل الشعب الجزائري يومًا ما لذلك النموذج، تاريخ الثورات في الجزائر طويل جدًا وتاريخ النضال الثقافي والسياسي في الجزائر أطول والجزائريين تجاوزوا بشكل بعيد منذ قرون ثقافة العبد والسيد، ولا يمكن بقرار سياسي العودة بشعب بأكمله إلى الوراء وجعله يقبع في الوصاية السياسية ويرضى بها، السيّد تبّون، لا أكذب كنت لأقبل بك كرئيس للجزائر قبل الحراك الجزائري فأنت لحد ما تتحدّث وتمشي وأحسن مما وصل إليه سابقك ولكن بعد ثورة الشعب الجزائري الحضارية “ثورة الإبتسامة” فهمت بشكل واضح أن هذا الشعب يستحق رئيسًا أفضل منك ونظامًا أفضل منكم، ثمّ تعقيبًا على تصريحك حول السيادة الوطنية عندما كنت تتحدّث عن الصحافيين الستة المعارضين الذين لم تسميهم، حسنًا دعني أقول لك أنّ الجزائر دولة تعيش في مجتمع دولي، وكونها عضو في الأمم المتحدة فهذا يرتب عليها الإلتزام بالقانون الدولي والإتفاقيات والمعاهدات التي أبرمتها، ومن جملة ذلك إحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والحريات الفردية والجماعية، وإلّا فعلى الجزائر ترك مقعدها للدولة الأجدر، أخبرني يا عبد المجيد تبّون، كيف ستدافع الجزائر عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني أو الصحراوي في ظل قمع للحريات في بلادها، سيكون حتمًا رد غريمكم التقليدي “إحترموا تقرير المصير لشعبكم قبل أن تطالبوا بتقرير مصير الشعوب الأخرى”، يا تبّون لا سيادة في الإظطهاد، ربّما قد غبت عن مقعد الدراسة عندما درسوا أشقائك السياسيين هذه القاعدة، السيادة ملك للشعب وليس لأفراد اختزلوا المنطق السياسي للشعب في أنفسهم وسلطانهم، حسنًا لقد قلت أن صحفي أتجه لسفارة ما لم تذكرها ربّما خوفًا منها ليخبرهم عن التحقيق الذي جرى معه، مذا عن الرئيس المؤقت الذي سبقك، عندما اتجه إلى الكريملين ليطمئن الرئيس الروسي بأن النظام الجزائري في آخر خطّته لقلب الطاولة على الشعب، أم أن الجزائر جزء من التراب الروسي؟، وماذا عن السفير الصيني الذي شارك في مظاهرات النظام ضد الحراك سابقًا هل هو مواطن جزائري؟، ماذا عن الزيارات المتكرّرة لقائد أركان الجيش السابق القايد صالح للإمارات العربية المتحدة ولقائه مع رئيسها أثناء وقبل الحراك وهو الذي لا يملك الصفة الديبلوماسية التي تخوّل له ذلك هل الجزائر إيالة جديدة للإمارات؟، أسئلة كثيرة إذا استطعت أن تجيبني عليها، سأتفهم سبب غضبكم من هذا الصحفي “المخبرجي” كما سميّته، أمّا دون ذلك، فعليك أن تعلم، أنّ تضحيّات الجزائريين لا علاقة لها بأجندات خارجية، رفضنا جميعًا في حراكنا وثورتنا أي نوع من أنواع التدخل الخارجي، حافظنا على سيادتنا بأيدينا ودافعنا عنها، ومازلنا إلى اليوم، عندما رفضنا الغاز الصخري ورفضنا قانون المحروقات الذي يبيع الجزائر للشركات الأجنبية، وتدمير قدرات شركة سوناطراك وعندما فعلنا ذلك قابلنا نضامكم بالقمع، السيد عبد المجيد تبّون، نحن هنا لا نريد أن نكون في فوضى مثلما لقبتها، ولكننا لا نريد أن نكون أيضًا خاضعين للوصاية ولنضام هدّام، نحن نرفض أن نبقى في صفة الآهالي التي تركنا فيها الإستعمار الفرنسي، نحن نريد أن نكون شعبًا حقيقيًا له الوصاية والسيادة الكاملة على دولته.

أمّا عن حريّة الصحافة في الجزائر وعن 160 جريدة ومجلّات التي تتحدّث عنهم، فكلها تعمل بأموال إعلانات الدولة، وفي أغلبها صحف صفراء، تسعى لملأ صفحاتها للاسترزاق، هاؤلاء سيد تبون لا يسمّون بالصحفيين بل بالمرتزقة، وقد أشفقت على الصورة التي تريدون أن تقدّموها للجزائريين عن الصحفي المثالي، التي يمثّلها مجموعة الصحافيين الذين تستقدمونهم للصحافة في كلّ مرّة، أشخاص أقرب لتلاميذ الإبتدائي في هندامهم وصمتهم وتهذيبهم وخضوهم منهم إلى الصحافيين، الصحفي المثالي بالنسبة لكم هو الصحافي الذي يتحدّث عن الزلابية في رمضان، وعن السحر والشعوذة والمحاصيل الزراعية دون ذلك، تريدون صحفي سلبي، ينقل الخبر، لا يحلّل، لا يقدم نصائح، ولا نقد سوى في قناة الهدّاف او في الحصص الرياضية، بينما دور الصحافة في حقيقة الأمر أن تراقبكم، أن تراقب الميزانية والأموال، والشرطة والقضاء والجيش وكل مؤسّسات الشعب للسير الحسن للدولة، وليس من دورك الحديث عن أساليب عقابية أنت لست نائبًا عامًا ولا وكيلا عن الحق العام، أن تمثّل السلطة التنفيذية التي في الأصل منفصلة تمامًا عن السلطة القضائية ولكن لأننا لسنا في دولة قانون فإن السلطة القضائية مجرّد وزارة تنفيذيّة أخرى في حكومتكم، هل فهمت الآن المشكلة؟، نحن اليوم نتحدّث عن صحافيين معتقلين، عن نشطاء معتقلين، حتّى عن ناشطي “الميمز” وصور الفايسبوك كارثة حقيقية تقومون بها تجعلون بها الدولة الجزائرية لا تبدو فقط مارقة عن النظام الدولي وعن مكانها الجغرافي بالقرب من أوروبا ومن دول المغرب الكبير حيث بدأت الديمقراطية تنضج بل أيضًا لتبدوا مارقة عن العصر وعن روح العصر الذي غلبت عليه اليوم لغة الدعابة، إنّه بالفعل صراع أجيال، في هذا الوطن المنهوب والمسروق، لقد أصبحت الجزائر للأسف أضحوكة، فإذا ما كانت الميمز والكتابة عبر مواقع التواصل الإجتماعي ممنوعة فأين هي حريّة التعبير المتبقية؟، إذا رفضتم الأسلوب السلمي في نضال الجزائريين ضدّ الديكتاتورية فماهي الرسالة التي تريدون بعثها للجزائريين؟ أن استعملوا العنف أحسن؟.

نحن يا تبّون لا نشتكي للمنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة انتهاكًا للسيادة الوطنية بل دعمًا لها، ذلك لأنكم قد أغلقتم جميع الأبواب ضدّنا ولم تتركوا لنا مجالًا لنثق في مؤسسات هذه الدولة، فأين نشتكي ظلمكم وقمعكم وتسلّطكم؟ لكم؟، الإنسان يدافع عن نفسه بحكم غريزته بأي آداة كانت، خاصة وأنّ هذه الأدوات الدولية مشروعة وليست تمثّل دولا أجنبية بل منظمات مستقلة او دولية والجزائر عضو فيها وتعترف بها ولها مقاعد أيضا في مجلس حقوق الإنسان، هناك آليات للرقابة الدولية على حقوق الإنسان وقضاء دولي أيضًا والقانون الدولي قد تطوّر بشكل كبير ليحمي حقوق الإنسان في أي دولة كانت، حلمي كجزائري أن أرى بلدي عادلًا وديمقراطيا مثل كندا مثل السويد مثل النرويج، السعودية ليست مثالا يحتذى به كونها كانت اول زيارة أجنبية لك بصفتك رئيس ومن كان في استقبالك هناك؟ رئيس بلدية؟، هل فهمت الآن ما يغضبنا كجزائريين، اننا أصبحنا كبلد مسخرة وبلا كرامة.

تأكّد يا تبّون أن هذا الشعب لن يخضع، لن نصبح عبيدًا عندكم، إنسوا ذلك، في هذه البلاد شعب حقيقي يحب بلاده ومستعد ليضحّي لاجلها، كما ضحّى أجداده لأجلها للإنقاذها من براثين الرداءة والهشاشة واللاكرامة التي تحكمها، نحن الشعب الجزائري الذي كان ولايزال يقاوم وسيقاوم دائمًا وأبدًا وليس البترودلار من سيوقف عملية دمقرطة الدولة في الجزائر، ليس الشماخ ولا العقال الخليجي الذي سيوقف احلام شعب أرضخ ديغول وجيوشه القوية يومًا ما، في هذه البلاد شعب لا يركع.

وشكرا على حسن الإنتباه.

أنور رحماني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *