arablog.org

الشريعة الإسلامية ما بين القسوة والشهوة، بقلم أنور رحماني

 

-دور الشريعة الإسلامية في تخلّف المسلمين- بقلم أنور رحماني

من المتعارف عليه في الأوساط الدينيّة الإسلاميّة أنّ المعنى الحرفي والدقيق لمصطلح الشريعة هو “منهل الماء”، أو شريعة الماء وهي  منبعه أو مساره، والشريعة كذلك هي مكان تدفّق الماء النقي والبارد، فتطلق تسمية الشريعة على هذا التقنين الإسلامي للدلالة على نقاوته، صفائه، عذوبته، وسهولته، أي بمعنى القانون “السهل”، أو “المسهّل”، وبالفعل فالشريعة الإسلامية مع بزوغها الأوّل كانت تقنينًا مسهّلًا لتلك الأعراف الإجتماعية التي كان العرب يعيشونها، أوتلك العقوبات القاسية التي كان العرب يفرضونها على الضعيف والفقير دون القوي والغني، فالشريعة أتت مسهّلة للحياة الإجتماعية ولتعدل بين الناس، فعوض أن تدفن النساء وتؤدن وهن على قيد الحياة، إختار الإسلام أن يغطّيهن ويفصلهن عن الرجال، وعوض أن يتزوج الرجال بعدد غير محدود من النساء قرّر الإسلام أن يحدّد العدد أربعةً على سبيل الإنقاص لا الزيادة، وحرّم الربا لما كانت فيه من مظالم للفقراء في جاهلية العرب، ومنع الزنا لكي لا تتخالط الأنساب، وغيّر عقوبة الرجم إلى الموت التي كانت عقوبة يهودية قلّدها واعتادها العرب وعوضها بالجلد؛ تلك العقوبة التي كانت تبدو أقلّ تعنيفًا من الرجم، وقرّر أن ترث الأنثى نصف ما يرثه الذكر عوض أن لا ترث بتاتًا كما كان الأمر عليه قبل الإسلام، ولذلك فالشريعة الإسلامية عند تقنينها الأوّل كانت بالفعل منهلًا للماء العذب، حيث سهّلت كثيرًا في حياة الناس آنذاك وطوّرت الأنظمة القانونية العرفية التي كان العرب يعرفونها ولأوّل مرّة تتحوّل تلك الأعراف إلى قوانين مكتوبة في شكل آيات مقدّسة، وكان هذا الإنتقال من العرف إلى القانون المكتوب ثورة كبرى في النظام القانوني العربي في شبه الجزيرة، ولذلك كانت الشريعة الإسلامية نِعمةَ حقيقيّة على المجتمع العربي في مجاله الإقليمي وحوّل تلك القبائل العربية التي كانت تعرف أغلبها بالبداوة إلى مجتمع حضاري موحّد القانون مثله مثل معظم الإمبراطوريات التي كانت تحدّه في محيطه كالرومان والفرس والحبش وغيرهم…

ولكنّ الشريعة الإسلامية لم تكن يومًا محدودة في النصّ المقدّس بل اتّسعت لتشمل آراء الفقهاء أيضًا حتّى إكتسبت هذه الآراء نفس قداسة النص القرآني وأحيانًا أكثر، وصار ينظر للفقهاء والأئمة كما ينظر للأنبياء وأكثر، وجرى تقديسهم  لدرجة التأليه ولم يعد المسلمون يفرّقون بتاتًا بين ما يفترض أنّه إلاهي، وما يفترض أنّه بشري، وتمّ هذا الخلط بين النصوص المقدّسة والنصوص الشبه مقدّسة، وصار الجميع محصورًا في هذه النصوص، وإختلّ العقل الإسلامي في البداية ثمّ توقّف كليًا عن العمل بعدها.

ويُفترض في الشريعة أن تكون هي القانون الإسلامي، الذي يحتوي التنظيم الأساسي للحياة الإجتماعية، لينظّم العلاقات ويفرض الإلتزامات ويشرّع العقوبات، ولكنّ الشريعة الإسلامية عندما خرجت من إطار النص الإلاهي المقدّس وقعت في تقديس النص البشري الشارح للنصّ المقدّس، فخرجت الشريعة من إطار القانون إلى إطار الهوس الميثولوجي ولم تعد تلك الثورة المفترضة بل أصبحت خرافة مبجّلة تتأسّس على مجموعة من الأحكام القاسية والصعبة، وفقدت الشريعة الإسلامية وصف الشريعة –منهل الماء-، بل غدت أزمة قانونية تعاني منها المجتمعات الإسلامية.

-الهوس الميثولوجي الإسلامي وتأثيره على بنية الشريعة:

إنّ العقل الإسلامي مبني على قاعدة أسطورية قديمة،  ومحجوز ما بين جدارين سميكين من التقديس وتمجيد الذات، وقد حُصِرَ هذا العقل في نطاق زمني ضيّق وكان عليه البقاء فيه إلى الأبد، إذ أنّ التغيّير بات في هذا العقل فعل خيانة، والتمرّد على الأبجديات الموروثة يعدّ رِدّةً بحكم المخالفة، وبات من البديهي ربط كلّ ما هو خرافي وقاسي بالمسلّمات الدينية، فذلك أصوب لهذا العقل، فكلّما كان الحكم أكثر قسوة رأى فيه العقل الإسلامي صحّته وإقترابه لما هو أجلّ عند الله وأصوب، فقد ركّز الفقهاء في تعاملهم مع الذاتية المقدّسة لله، على تصويره ميثولوجيًا كوجه كرتوني بائس وشرّير، يهوى كلّ ما هو قاسي وكلّ ما هو أكثر حزمًا وصرامة، فهذا الربّ الصارم الذي أحدثته التفسيرات العشوائية التي جاءت بنيّة السيطرة على نفوس المؤمنين وليس التفسير أو الشرح في حدّ ذاتيهما قد جُعل في مكان الصنم الذي لا يبدي أي انفعالات طوعية إلّا تلك التي هي محجوزة ما بين النص المقدّس والنص الشبه المقدّس، فالرب الإسلامي يبدو اليوم ربًّا حجريًا غير قابل للحركة أو التطوير ولا يستطيع  مراوحة مكانه أو إحداث أي تغيّير في فهم أتباعه لنصّه، وكأنّه برنامج إلكتروني تمّ إدخاله عنوة في قلب المنظومة الدينية الإجتماعية لتطويقها، فقد صوّرت المثولوجيا الإسلامية الله كشخص صارم مهووس بالسيطرة وبالإنتقام، وكرّست هذه الصورة أكثر من خلال نظام العقوبات الجامد الذي لم يتطوّر إلّا لما هو أقسى وأعنت طيلة الألف وأربع مائة سنة التي خلت، بينما صلبه لم يراوح مكانه ولم يتغيّر.

وإنّ هذه الميثولوجية الإلاهية التي صنعها العقل الإسلامي سرعان ما أصبحت هوسًا مقدّسًا لا يستطيع هذا العقل التخلّص منه،  وبالتالي صار من البديهي تقبّل قسوة أحكام الشريعة التي تعبّر بشكل واضح عن المنظور الإلاهي للتقنين، فكلّما كان التقنين قاسيًا كلّما كان أشبه بالله في العقل الإسلامي والعكس صحيح، ولا يقبل أبدًا تحسين أو تعديل تلك الأحكام لأنّ ذلك قد يعدّ تحريفًا لكلام الله وإرادته.

وإتقاءً لشرّ هذا الكائن السماوي القوي والمنتقم صار الجميع خاضعًا، وصار العقل الإسلامي عقلًا مريضًا بالقسوة، شبيهًا بتلك الصورة المفجعة التي رسمها عن ربّه، وبذلك أصبح غير قادرٍ نهائيًا على إنتاج أي قوالب قانونية جديدة خارج منطق القسوة الدينية التي غدت هي الأخلاق وهي الفضيلة وهي كل شيء.

فقد تأثّرت الشريعة الإسلامية بشكل واضح بهذا الشكل الأسطوري الذي سُجِن فيه الله، فصارت الشريعة نسخة طبق الأصل عن هذا التصوّر الرهيب وبعيدة كلّ البعد عن أي مفهوم للسهولة أو العذوبة التي كان من الأجدر أن تتّصف بها.

 

-لماذا الأحكام الإسلامية قاسية؟ :

داعش تطبق حد السرقة باستعمال آلة لقطع اليد

لقد جرت العادة أن يقسوا المسلمون على أنفسهم، وأن يشدّدوا الدين عليهم وإن كان ذلك مخالفًا لأوامر القرآن، فالقرآن يقول صراحة القول: “وكذلك جعلناكم أمّة وسطًا لتكونوا شهداءَ على الناس…”، فالوسطية هي الحكمة التي اقتضاها الإسلام لنفسه من البداية، والوسطية هي نقيض التطرّف ونقضيه المتطرّف المقابل، ويقول رسول الإسلام ومؤسّسه محمّد بن عبد الله: “لا تشدّدوا على أنفسكم، فيشدّد الله عليكم، فإنّ قومًا شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم”، فمن خلال هذا الحديث نكتشف شيئين مهمّين أنّ محمّد كان يعلم خطر التشدّد في الدين منذ البداية من خلال قراءاته للديانات التي سبقت ولذلك أمر المسلمين من بعده بعدم المغالاة والتشدّد في أمور الدين، فالدين في المنظور الإسلامي يسرٌ وليس عسر، والهدف منه تنظيم الناس وليس تعذيبهم، فمحمّد كان يرى في الأمم السابقة ما قد كان ليصير بأمّته إن هو تركها، ولذلك جاء هذا الإنذار منه لأمّته لكي تبقى نصيحته الآمرة شاهدة على إرادته وشكل الدين الذي ارتضاه للناس، شكل دين يختلف أساسيًا مع الشكل الذي بحوزتنا اليوم بهذه التصوّرات المزيّفة والقاسية والمشدّدة، في نسخة دينية جبروتية متناقضة مع المبادئ العامة التي اقتضاها الإسلام وحثّ على العمل بها.

أمّا الأمر الثاني الواضح في هذا الحديث هو نكرانه للرهبانية المعمول بها لدى الديانات الإبراهيمية، وبالتالي هو ينكرها ضمنيًا عن الإسلام أيضًا، ويجعل من الرهبانية والكهنوتية فكرتين دخيلتين على إرادة الله، ويصوّرهما كفعلين شاذين عن الإسلام، وبالتالي فهو يضرب عرض الحائط من خلال هذا الحديث كلّ أشكال الرهبانية التي إتخذها الأئمة اليوم وجعلوها جزءً عامًا من وظيفتهم الدينية التي لا يقبلها الإسلام وليست منه، فالإمام أو الفقيه ليسا راهبين أو كاهنين ولا يمثّلان أي رابطة إتصال بين الإنسان وربّه بل هما مجرّد أشخاص عاديين ليست لديهم أي درجة لدى “الله” إلّا من خلال أعمالهم كأي مسلم عادي، وبالتالي فإنّ نظام الإمامة كما هو اليوم هو نوع من الرهبانية التي أنكرها رسول الإسلام في حديثه هذا ولابدّ من مراجعتها.

وإنّ هذه الرهبانية هي التي سبّبت فيما بعد هذا الشكل القاسي من الدين، وهذه القسوة المبالغ فيها في تطبيق أحكامه أيضًا، فالرهبان المسلمون، ومنهم الفقهاء ومن يسمون بالعلماء الشرعيون وكذلك الأئمة ورجال الدين المزيّفون وكذلك أتباع الحركات السياسية الإسلامية والعوام والمتديّنون الأرثوذكس، قد عملوا على تجميد المعطيات الإسلامية وجَعْلِها غير قابلة للتطوير أو التسهيل، بل زادوها قسوة بناءً على تصوّرهم المقدّس عن الذات الإلاهية التي كان ينبغي عليها أن تكون دائمًا ذاتًا قاسية ومتجبّرة، وذلك حفاظًا على تلك التراتبية الذهنية التي يمكنهم من خلالها الحفاظ على مناصبهم الكهنوتية في مجتمع الإسلام، فلولا هذا الإله القاسي والمتجبّر لن يكون لهؤلاء الكهنة أي دورٍ ريادي في المجتمع، فحماية هذه الصورة السيّئة لله تهدف في الأساس للحفاظ على مكتسباتهم المصلحية ونواتجها وللإبقاء على مكانتهم الإجتماعية فوق سدّة المجتمع، فقد أُسْتُعْمِلَ الله بشكل مبتذل لحماية مصالح هؤلاء وصار مجرّد فزّاعة إستعراضية لتطويع رقاب المؤمنين وإركاعهم بداخل منظومتهم الإستعبادية.

وقد صارت هذه القسوة المقدّسة عادة إلزامية لدى المجتمع المسلم ولم يستطع التخلّص منها، إذ أنّ المسلمون اليوم يتلذّذون بمازوشيتهم لله، بالرغم من أنّه لم يطلبها منهم، فتجدهم يحثّون على تفعيل مصطلحات غريبة إستحدثوها ويعلمون أنّها خارج إطار الإسلام إلّا أنهم قدّسوها كما يقدّسونه، كالحثّ على ما يسمّونه “التذلّل لله”، و”التذرّع له”، و”البكاء للتقرّب منه”، وهي كلّها سلوكات دينية شاذة تدلّ على علاقة مريضة تجمع المسلمين بربّهم، علاقة ذات أبعاد شبه جنسيّة، توضّح الصورة التي يتبنّاها المسلمون عن ربّهم كإله سادي، ممّا عمّق الفجوة بينهم وبينه وجعلهم مجتمعًا مازوشيًا بطبعه الديني،إذ يرى في ظاهرة التديّن ظاهرة إستعبادية لا تعبّدية، وصارت الصلاة ترسيمًا لتلك العلاقة المظطربة ما بين الله وبين المؤمنين، والفرصة الوحيدة لقضاء حاجة الله من جهة في التسيّد والتسلّط وإحتياجهم في المازوشية والتذلّل…

البكاء أثناء الصلاة مستحب عند المسلمين، من مظاهر الحزن المقدس في الإسلام .

وبالتالي فقسوة الأحكام الإسلامية نابعة من الرهبانية الدينية التي إخترعها المسلمون بعد وفاة نبيّهم لتعويضه وعلى الصورة النمطية القاسية التي صوِّرت في أذهانهم عن الله، وعلى الجنوح للمازوشية لدى المسلمين، وبالتالي فإنّ هذه الأحكام ليست قاسية بطبيعتها بل بطبيعة المجتمع المسلم الحاضن لها وتطوّر عقله تاريخيًا منذ وفاة مؤسّس الديانة إلى اليوم وإمتصاصه لكميّات كبيرة من التقديس والعواطف الدينية،.إلّا أنّ العادة هي التي كرّست هذه الأحكام وجعلتها غير قابلة للدحض أو النقد أو التطوير، فطول أمد هذه العادة جعلها لتتحوّل لغريزة، وتنفلت بشكل كلّي عن إطارها الروحاني الديني، لتدخل في قلبي جنسي شهوي يربط كائنًا مطلق القوّة والقدرة والسيطرة يسمى الله بأمّة مطلقة الخضوع والتذلّل.

-كيف تحوّل الإيمان بالله إلى شهوة جنسية؟، وماهي علاقة هذه الشهوة بالشريعة الإسلامية؟:

من الواضح جدًا أنّ العلاقة التي تربط المؤمن السطحي بالله اليوم في المجتمع المسلم هي علاقة شهوية نابعة من الرغبة في التذلّل والخضوع وليست هي خارجة عن هذا التصنيف، فقد أثّر الخطاب الديني الإسلامي بشكل كبير على التصوّر الجمعي لهذه العلاقة، فالله في المخيال العام المسلم ليس مجرّد إله وفقط، بل هو التجسيد المثالي للقسوة والجبروت، فهو في المفهوم الإسلامي الخالق الأوحد، والعاقل الذي يسمو عقله بعلمه المطلق عن العقل البشري، والمدرك لِمَ لا تدركه الأبصار والبصائر، واللذوذ بوجوده عن الوجود المادي وفوقه، وخارج عن إطار التمحيص والنقد، وغير قابل للدراسة أو التسبيب أو التعليل، وهو كائن بغير كينونة، وكينونة لاكائنة، مطلق الحقيقة، مطلق التصور، مطلق الفكر، مطلق الأمر والتنفيذ، موجد الوجود وقبله، قبل الوجود وبعده، محدث الحوادث، مقدّر الأقدار، المجزي، المخزي، الرحيم، المعذّب، المنتقم، المحب، الكاره…

أمّا ومن جهة أخرى فالإنسان في هذه المقابلة على النقيض التام، فهو الضعيف الذي لا قوّة له، والجاهل الذي لا عقل له، والغبي الذي لا ذكاء له، والفقير الذي لا ملك له، والمكبوت الذي لا جنس له، والمريض الذي لا علاج له… الّا بتحقيق الشرط الأوّل “الله”، ومنه فلا حول ولا قوّة إلّا بالله؛ تلك العبارة التي تلخّص هذه العلاقة السلبيّة المكبّلة لعقل المسلم والذي تجعله منحصرًا في الأمر الإلاهي وغير قادر على تجاوزه، فحدوده مرسومة جيّدًا في هذه المنظومة الإلاهية المقدّسة.

وبالتالي فالمسلم العاجز فكريًا عن اقتحام عالم الفكر الحر خارج صندوق الله، هو العام بندرة الإستثناء، ويعود له أمر تطوير هذا النمط الجنسي للعلاقة التعبّدية، عن طريق تشهّي هذا الكائن السماوي المتعالي، وتبرير ذلك بضعف الإنسان وجهله، فالعلاقة المؤسّسة على هذا النوع من الخضوع هي علاقة شهوية جنسية لا محالة، وليس فيها أيّ نوع من القداسة لتعتبر علاقةً روحانية بأي شكلٍ من الأشكال، ولا حرج في ذلك أن يقسو المسلم على نفسه ليبرّر وجوده ووجود ربّه، فالمنطق في هذه الفلسفة الدينية الإباحية، أنّ “الله المُباح” أو “الله الحلال” هو الله القاسي والسادي والذي يمارس قسوته بإمتاع، أمّا ” الله الحرام” الرحيم والعطوف والمحب والراعي هو الله الذي لن يقبله أبدًا هذا التصوّر الجنسي لعقل المسلم، ففي هذا الرب نوع من الرخاوة التي لن يتقبّلها المسلم العام أبدًا بل سيحاربها ليجد بها ذريعة للقسوة يخرج من خلالها مكبوتاته الجنسية والفكرية وأمراضه النفسية.

وإنّ سرّ دفاع المسلم عن النموذج القاسي للشريعة الإسلامية نابع بالإضافة إلى مجموعة من الأسباب الأخرى من هذا السلوك الجنسي المريض، إذ أنّ المسلم صار قاسيًا هو أيضًا كربّه، فالرب في المخيال العام هو التصوّر المطلق للخير والحق، وعندما يكون إلاهك قاسيًا فبالضرورة أخلاقك وتصوراتك تكون قاسية هي الأخرى، وتتحوّل القسوة إلى أخلاق وفضيلة، وممارسة القسوة إلى شهوة جنسية إيمانية مقدّسة، وتبقى الأخلاق تدور في مدار هذه الشهوة الربّانية ويعد أي نوع من النقد عليها إنتهاكًا جسيمًا لشهوة حيوانية في الإنسان ممّا يدفع بهذا الأخير لتحرير كل غرائزه الوحشية للدفاع عنها باستمالة جزء من بيولوجيته وليس كإيمان بحت فقط.

-كيف كان تأثير الشريعة الإسلامية على القانون في الدول الإسلامية:

لقد تجاوزت الشريعة الإسلامية مسألة الطرح التشريعي إلى حالة من الهوس والطيش، فالشريعة الإسلامية ليست مطلبًا منطقيًا للمسلمين وليس يهدف لمصلحتهم بل مجرّد إماء لاواعي من طرفهم لتجسيد ملكوت الله في الأرض، وعندما كان يهدف القانون في الأساس إلى تنظيم حياة الناس ورعاية مصالحهم كان لزامًا على المسلمين استنباط قوانين عقلية تهدف الى رعاية مصالحهم أيضًا إلّا أنّ اصطدامهم مع هذه الدوغما التي غسلت أدمغتهم والتي تجعلهم يتصوّرون ضعف بنيتهم العقلية لتحدّي العقليّة الربّانية وتجاوزها جعلهم ينظرون الى تلك الأحكام العقابية والتنظيمية الإسلامية كقانون مقدّس، وبينما يُفترض من القانون في فلسفته أن يتطوّر مع تطوّر المجتمع وأفكاره بقي القانون في الدول الإسلام جامدًا مرهونًا بهذا الفهم القاصر والمريض للنصوص الدينية ومحبوسًا في هذا الشكل المفرط من التقديس للأحكام الدينية.

وبهذه الطريقة تمّ تعطيل عمل السلطة التشريعية، وأصبحت هذه السلطة من اختصاص الأسطورة والميثولوجية دون غيرهما، وصار القانون مجبرًا على اتباع أهواء العقل الجمعي المريض للمسلمين وشهوته التعبّدية المازوشية.

وكان لهذا التعطيل مساوئ عديدة على الصعيد الإجتماعي للمسلمين، إذ جعل من القانون مجرّد فلكلور غير قابل للتطبيق، وجعل المسلمين يتخبّطون في مواجهة الحداثة التي تتسع كل يوم في الحضارة الإنسانية باستثنائهم، خوفًا من زوال هذا النظام التقليدي والبدائي الذي رضوه لأنفسهم رغمًا عنهم ولو اقتنعوا عقليا بعكس ذلك، ولكن للنص الديني قوّة شديدة في خرق قدرة الإنسان في التحليل وصنع القرار، ولذلك جعلت الشريعة الإسلامية من المسلمين مساجين في العالم المتخلّف وقد سرقت منهم أهمّ سلطة في تسيّير شؤون دولهم وحياتهم وهي السلطة التشريعية، هذه الأخيرة التي يجب أن تحتكم للعقل والمصلحة وليس للدين.

تطبيق القصاص الإسلامي في السعودية

لم تعد الشريعة الإسلامية منهل الماء الذي كان يجب أن تكونه، بل صارت جحيمًا على المسلمين، تزيد من تخلّفهم ومن تعصّبهم، وتمنع عنهم وظائفهم التشريعية والسياسية، تشتّت انتباههم عن مصالحهم وتغرقهم في شهوة دينية مازوشية قاسية، وإنّ محاربة هذه الشريعة القاسية هو ثورة عادلة لابدّ أن تقام بداخل عقل كل مسلم، لاسترجاع العقل ودحض الأسطورة الدينية المتوارثة.

أنور رحماني

اظغط هنا للاتصال بالكاتب أنور رحماني

  3 comments for “الشريعة الإسلامية ما بين القسوة والشهوة، بقلم أنور رحماني

  1. tim
    17 أكتوبر,2019 at 8:03 ص

    شكرا على الموضوع المهم والرائع

    Onec Bem Bac
    https://dzonec-bem-bac.blogspot.com

  2. abd
    8 نوفمبر,2020 at 7:21 م

    الشريعة الاسلامية لم تكن يوما قاسية لكنها نظام حياة ممتاز

  3. علي محمد
    21 مارس,2021 at 3:50 م

    و ما دور الشريعة في تقدم المسلمين و هيمنتهم على العالم لما يفوق العشرة قرون بعد أن كانوا جهلة و أميين ….الى حد الان لم يمر قرن واحد على تخلفهم و سيستدركون الأمر قريبا رغم عبث التابعين مثلك المتجهين نحو الجحر الذي دخلته الثقافة الغربية المثلية والالحادية و التي لن تجد له مخرجا الا بانقراض جنسهم….. أم أنك لا تعرف شيئا عن التاريخ و أسباب سقوط الحضارات؟؟؟…..للأسف ليس لك أي طريقة للطرح الا ما تحت السرة…..و بانتقاء أخطاء المتطرفين من المسلمين…. انك حقا غير عادي بل تحت العادة وشيئ اخر غير مصنف لا بيولوجيا و لا بسيكولوجيا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *