arablog.org

القابلية للتخلف : المجتمعات تقتل نفسها بنفسها

التخلف

لقد تحدث المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي في كتابه “شروط النهضة ” عن “القابلية للاستعمار” و كانت الفكرة العامة للكتاب تتمحور حول اهمية الدين في دفع الحضارة و كيف يجب ان يكون للمجتمع ما هويته خارج سياق المستعمر و قدم الفكرة الدينية على انها رمز الاستقلالية و الذاتية و و ربط كل انواع التاثر بغير تلك الفكرة بالاستعمار

فحسب فكرة مالك بن نبي فان اي مجتمع يطبق اسس الحضارة الغربية او يقف متعلما منها هو بالضرورة مستعمر او ان ما نتستورده من تلك الحضارات هو بالضرورة “استعمار” و هنا لغط كبير و ايضا دوغمائية من نوع ما و هذا ليس انتقاصا في عضمة مفكر و ذكائه كمالك بن نبي و لكن هو ابداء لوجهة نظر تخالفه نوعا ما في الرؤية حيث انطلق مالك بن نبي من فكرة تعدد الحضارات و هي فكرة بشرية قديمة و هي جزء من العصر البشري الاول الذي تشهد البشرية اليوم اخر فصوله فالبشرية اليوم تنطلق نحو توحد الحضارات في حضارة واحدة و ما العولمة اليوم بشكل من الاستعمار بل اصطفاء اجتماعي و بشري لكل انماط الحضارات المتعددة اليوم التي تشهد اندماجا بينها و الحفاظ على افضلها في اطار “تاثر و تاثير” فالمشكلة الوحيدة هنا ليست القابلية للتاثر و انما عدم التاثير حيث ان المجتمعات اذا ما فقدت هذه الملكة الاخيرة فانها تصبح مكتسبة فقط دون ردة فعل و بالتالي تفقد هويتها و تفقد تاثير حضارتها على الحضارات الاخرى اذ لا حضارة لا تاثير و ستاتي حضارة ما لتحل مكان اللاحضارة الموجود و هذا ليس استعمار بل انقاذ يتم بعملية اندماجية للسيء في الجيد وللاسوء في الافضل و لهذا اردت اليوم الحديث عن القابلية للتخلف عوض القابلية للاستعمار

فالقابلية للتخلف هي ما يهم في دراسة المجتمع فالتخلف عادة هو الذي يعطي مساحة من الفراغ الفكري تجعل انتاجات المجتمعات الاخرى الفكرية تغطي فيه ذلك العجز فالافكار هي الاخرى تقتضي اكتفاءا ذاتيا و منتوجا يوجه للتصدير و هكذا تكون عملية التاثر متوازنة تجعل عملية الاندماج في الحضارة البشرية اندماجا متاثرا و مؤثرا فيما يترك بصمة المجتمع في هذا الاصطفاء  الاجتماعي الذي قد يكون فعلا واقعا بين مجتمعات متعددة و يكون فعلا واقعا ايضا في المجتمع في حد ذاته من افراد يحوزون على افكار مختلفة هم كذلك يؤثرون و يتاثرون فيما بينهم و بذلك يكونون وعيا عاما و ان حصر فكر الافراد فقط في الفكرة الدينية او الراي الديني يقوض هذه العملية و يجعل المجتمع فارغا و الية الاصطفاء فيه متوقفة و بينما تتطور المجتمعات انطلاقا من تلك العملية و ما تتعلمه منها من خبرات و معارف و استنتاجات عقلية و منطقية تبقى المجتمعات الاخرى تتخبط في جمود زمني دون ان تدري تتاثر بانتاجات المجتمعات الاولى فهي بالضرورة مجتمعات متخلفة و انتاجها ضئيل جدا

و ان التقوقع على الذات لا يولد التقدم بل يفرض الدوغمائية و ان الديكتاتورية الاجتماعية هي الوسط الملائم لتكاثر المتطرفين من كل اشكالهم فهي تضغط على الافراد و تصادر حرياتهم فتستوجب وجود ردة فعل ضد ذلك القهر و من هنا تدخل المجتمعات في حالة صراع سلبي لا ينتج عنه سوى المزيد من التخلف بينما كان المجتمع ليستفيد منه لو انه ادير بشكل جيد في اطار مجتمع منفتح ينظر لحرية الفكر بنظرة انسانية و ليس بنظرة دينية و لكن التقوقع على الفكرة الواحدة دينية كانت او غير دينية هو ما يسهل عملية التخلف و هو الصفة الرئيسية التي تتصف بها المجتمعات التي لها قابلية له فهو يجعل المجتمع يرفض الاختلاف و يقدس الفكرة الواحدة التي مع الوقت تصبح بالية و لا تستطيع ان تواصل حيث يفقد المجتمع القدرة على التجديد

و اقصد بالقابلية للتخلف هي تلك العوامل الذاتية المساعدة لتلك العملية في مجتمع ما حيث ما ان وجدت في اي مجتمع الا و اردته متخلفا لا محالة و اردت ان ابدء بالتقوقع قبل ان اعرف المصطلح لكونه السبب الرئيسي و الحاضن لكل مسببات التخلف الاخرى و التي ياتي على راسها  الانغلاق الفكري حيث تكون المجتمعات فيها تحرم على نفسها المناقشات الحرة و تضع حدود للابداع و الافكار كما تؤدي حسر المفاهيم و المصطلحات كما تعرفها اديولوجيتهم الاجتماعية كالدين بالنسبة للمجتمعات الدينية فعادة  وجود مصطلح واحد  هذا لا يعني ان له تعريفا واحدا و لكنه قابل لعدة تعريفات يعطيها كل واحد حسب منظوره و لكن المجتمع الديني يرفض اي مفهوم لاي مصطلح من المصطلحات سوى ذلك المفهوم الديني او الصادر عن حراس الدين و رجاله

و منها مصطلح الاخلاق حيث الاخلاق لها عدة مفاهيم و الاجدر النظر اليها من خلال الخير و الشر و ليس من خلال الحلال و الحرام فحسر الاخلاق في الدين يجعل الافراد مخنوقين و غير قادرين على التعبير الحر و غير قادرين على تقديم ارادة حرة فالدين هو وجهة نظر احادية احيانا تختلف مع رؤية الشخص للاشياء فالاخلاق هي ان تفعل ما هو خير اما الدين فان تفعل ما تؤمر و ان كنت غير قادر على استعابه او فهمه او حتى ان تصنفه في خانة الخير فاستقلالية الاصطلاح و استقلالية الفهم هي نوع من المسؤولية الشخصية و حرمان الفرد منها يجعله فردا متخلفا

و عادة يخيط الرجال الاخلاق لتلبسها المراة فالاخلاق في المجتمعات الذكورية هي اداة لقهر المراة و افراد المجتمع المختلفون و ان اي مجتمع تقهر فيه المراة الا و كان مجتمعا متاخرا فالمراة هي الام التي تنتج الفرد و قهرها يولد لدينا جيل باكمله و اجيال ان دام الامر من المتخلفين اللذين لا ينظرون للمراة على انها عضو في المجتمع بل ينظرون لها على انها اداة جنسية بحتة ثانوية لا اهمية لها في بناء المجتمع و يبقى بذلك نصف المجتمع بدون اي انتاجية فكرية و النصف الاخر يبقى في حراسة هذا النصف حتى لا ينتج و هو بدوره يكتفي بالحراسة عوض الانتاج

و من الصفات الواضحة التي تدل على قابلية مجتمع ما للتخلف قهر الاقليات فالاقليات في المجتمعات الصالحة تحترم و توقر حيث انها معيار لمدى تحضر مجتمع ما و حيثما يكون هناك اقليات تعيش بكرامة تكون هناك مجتمعات متحضرة فالمجتمع المتحضر يعي جيدا ان اقلياته جزء هام منه عليه ان يرعاها و ان يحترمها و يحترم خصوصياتها و يوضع القانون مجردا و عاما على كل الافراد و من اجل كل الافراد بدون تمييز اما في المجتمعات التي لها قابلية للتخلف يرى في الاقليات على انها في هامش المواطنة فتوضع في هامش الوطن و تجرد من حقها في التعبير و حقها في البروز فيحاول المجتمع على قدر المستطاع طمسها و تحت وصف الاقليات نجد الاقليات الدينية و الاقليات الفكرية و الاقليات الجنسية و الاقليات العرقية و الاقليات اللغوية

ان القابلية للتخلف في مجتمع ما تجعل منه مجتمعا راكدا جامدا و متزمتا يخاف من الراي الاخر و يخاف من كل ما هو مختلف و يقدس فكرته و نظرته للحياة و يعاقب كل فرد يخرج عن تلك النظرة و تقديس ذات الفكرة يعني بالضرورة طمس كل الافكار مما يجعل من عملية الانتاج الفكري متوقفة بشكل تام فيصبح المجتمع غير فاعلا في الاصطفاء الاجتماعي و الاصطفاء الحضاري في العالم كما ان المجتمعات التي تكون لها قابلية للتخلف ينعدم فيها الحوار و يرفض فيها الابداع و يعاقب فيها الاختلاف و تكون فيه العنصرية فضيلة و قهر المراة واجبا شرعيا كما يرفض المجتمع ذاك مشاركة افراده على نطاق واسع و يعتبرهم افرادا قصرا فينعدم حس المسؤولية لدى الافراد فيصبحون غير قادرين على الشعور بها فتنطفا شمعة التقدم في المجتمع مما يجعله في حقيقة الامر في قابلية للاستعمار

 

انور رحماني

 

  1 comment for “القابلية للتخلف : المجتمعات تقتل نفسها بنفسها

  1. ل
    10 أبريل,2015 at 1:17 م

    ان القابلية للتخلف في مجتمع ما تجعل منه مجتمعا راكدا جامدا و متزمتا يخاف من الراي الاخر و يخاف من كل ما هو مختلف و يقدس فكرته و نظرته للحياة و يعاقب كل فرد يخرج عن تلك النظرة و تقديس ذات الفكرة يعني بالضرورة طمس كل الافكار مما يجعل من عملية الانتاج الفكري متوقفة بشكل تام فيصبح المجتمع غير فاعلا في الاصطفاء الاجتماعي و الاصطفاء الحضاري في العالم كما ان المجتمعات التي تكون لها قابلية للتخلف ينعدم فيها الحوار و يرفض فيها الابداع و يعاقب فيها الاختلاف و تكون فيه العنصرية فضيلة و قهر المراة واجبا شرعيا كما يرفض المجتمع ذاك مشاركة افراده على نطاق واسع و يعتبرهم افرادا قصرا فينعدم حس المسؤولية لدى الافراد فيصبحون غير قادرين على الشعور بها فتنطفا شمعة التقدم في المجتمع مما يجعله في حقيقة الامر في قابلية للاستعمار

    ممتاز. كلام منطقي و واقعي يطبق على المجتمعات المتخلفة. شكرا

اترك رداً على ل إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *