الكل يدخل اللعبة والكل يضن انه خارج اللعبة، الكل يضن نفسه في المعارضة و لكن الكل جزء من النظام، الكل يجاهر بتوجهاته السياسية ليعارضه التيار الاخر من المعارضة، الكل يتكلم لا احد يسمع، انها اللعبة السياسية القذرة التي يجيدها اللاعب الكبير في الجزائر و التي يبدو انها مدارة بطريقة مثالية من طرف علماء نفس و اجتماع درسوا المجتمع الجزائري و فهمو نقاط ضعفه و فهمو جيدا الطريقة الرائعة لابقائه دائما في نفس النقطة و الى الابد .
في الجزائر تتبنى التيارات العلمانية و الشيوعية و الاشتراكية دائما الحراك الشعبي، فيتصدى لها الاسلاميون بعطش للوصول للسلطة، فيتصدى لهم العلمانيون و المثقفون، فيتصدى لهم الاسلاميون ثانية، فيتصدى لهما النظام الذي هو الممثل الوحيد و المحتكر للوسطية و الذي يبدو انه المحرك الوحيد للشطرنج فيستنتج الشعب ان النظام هو الحل و الكل يمثل خطرا على امن و سلامة الوطن .
المثقفون في الجزائر و العلمانيون لا يحاولون الدفع بالشعب للامام، بل يكتفي المثقفون بالطفو فوق السطح ، مفتخرين بكونهم النخبة المثقفة، غير ابهين بالمجتمع ولا يسعون لتثقيفه و تعليمه ما يجب ان يعرف، اما الاسلاميون فيستثمرون في تجاهل العلمانيين للطبقات العميقة من الشعب، فيجذبونه اليهم و يعلمونه ما لا يجب ان يعرف.
في الجزائر المعارضة تعارض كل شيء ياتي من النظام، و لو حقق النظام احد مطالب المعارضة، في الجزائر النظام عندما يريد ان يبقى الامور جامدة و يدعي انها تتطور، يحاول تحريك الامور، فيحمل الى السطح قضايا حساسة تجذب الاسلاميين و العلمانيين، فيجعلهم في حالة خصام تتحول الى معارضة حادة، تغذيها بعض القنوات الخاصة عن طريق استضافة الخصوم من الطرفين .
الاعلام في الجزائر يلعب دور الشاحن للعبة القذرة، كل جهاز اعلامي يلعب دوره ببساطة، سواء بموالته السلطة او للمعارضة الاسلامية او للمعارضة العلمانية، الكل يعمل من اجل ابطال مفعول عمل الاخر، حتى لا يبقى هناك من المعارضة سوى القشور، اسلاميون ضد علمانيون و علمانيون ضد اسلاميون و الكل ضد النضام و النضام يبدو انه ليس ضد اي طرف، فالعديد من الحقائب الوزارية يعطيها لاطراف علمانية و يقدم تنازلات في مجال القانون و التشريع و التعليم للاسلاميين فيكتفي العلمانيون بالتسير و يكتفي الاسلاميون ب”التزطيل ” .
قد تتفاجيء من خلال القنوات الخاصة في الجزائر في بعض الحصص انهم يجلبون خصمين للحوار مثلا حول ” فيلم سينيمائي” يكون واحد طبيب علماني و الثاني متطرف اسلامي لا علاقة لكلاهما بالسينما و ذلك فقط لتقزيم الطرفين و لتجهيل الشعب .
ان الدور الحقيقي للمثقف في كل المجتمعات هو الدفع بالمجتمع لتبني بافكار جديدة تواكب عصره، و لا يخاف بذلك لومة لائم ،على المثقف ان يكون مجنونا حتى يحدث التغيير و عليه ان يضحي لا ان يكتفي بالافتخار بمكانته الاجتماعية او الثقافية و يتكبر على المجتمع، الذي هو صلب القضية ففي الثورة الفرنسية على سبيل المثال لم يكتفي المثقفون بمعارضة الكنيسة او النظام في ذلك الوقت، بل دفعوا بالشعب نحو تبني افكار جديدة ، بيانكو دفع بالمنظومة القضائية الى الازدواج بخلق القضاء الاداري من حادثة بسيطة مونتيسكيو اخرج لعالم السياسة مبدا الفصل بين السلطات و في افريقيا الجنوبية قضى نيلسون مانديلا على العنصرية و تبلور الراي العام ضدها و اصبحت لديه حساسية من كل ما هو عنصري و ابتداءا من تقديم حقوق للسود و مساواتهم مع البيض دفعت الحركة الفكرية التحريرية بالشعب لتبني مواقف جديدة ضد العنصرية فاصبحت في ذلك الوقت افريقيا الجنوبية اول دولة في العالم الى جانب كندا التي تقنن زواج المثليين، و في الحضارة الاسلامية كانت هناك العديد من الاصوات المثقفة و المفكرة التي دفعت بالشعب نحو التفكير و تبني افكار جديدة غير مؤلوفة كابن الرشد الذي كان يفكر في الذات الالاهية و المعتزلة اللذين فكرو حتى في تغيير النص المقدس و ابو نواس الذي كان يكتب الشعر في حب الولدان ،و حتى بالنسبة للمفكرين الاسلاميين او كما يسمون بشيوخ الاسلام مثل ابن تيمية و ابن القيم الجوزية فهما قد سجنا في زمانهما لافكار كانت تبدو غير مالوفة في ذلك الوقت و لكنهما اصبحا مع الوقت احد ركائز الفكري الاسلامي الحداثي.
و لكن بالعكس المثقف الجزائري يطفو فوق الشعب، يحمل سجاره الفاخر يتكلم باللغة الفرنسية ،و يحاول ان يوجه خطابه لخصومه و ليس للشعب، اما الاسلاميون فيستفيدون من الشعب يستغلونه فيبيعون له الوهم، و يبنون الفلل و الشقق و يفتحون ارصدة بالملايير بالضحك على عقول الناس و تجارة الدين، فنبقى في نكبة متواصلة بين مثقف علماني متكبر و رجل دين اسلامي مخادع .
اللعبة القذرة تخترق كل الميادين ،الادارية والدينية و التعليمية و السياسية و في اي مكان تريده فالمطالبون بالعلمانية سيطدمون بالاسلاميين و المطالبون بالدولة الدينية يصطدمون بالعلمانيين و من بطالب بالفيديرالية يصطدم مع النظام الولائي و من يطالب بحقوق المراة يصطدم مع الدين و من يطالب بالاقتصاد يصطدم بالبترول و من يطالب بحقه في البترول يصطدم بالاقتصاد .
من يريد التغيير في الحقيقية عليه ان يخلص القاعدة من افيونها، و هنا على المثقفين العلمانيين على لا يكتفو بدور الهارب دائما لاروبا، على المثقفين العلمانيين الدخول و الاندماج مع الشعب، و جعله يتبنى قضايا جديدة و اخراجه من اللعبة، على قضايا جديدة ان تخرج الى السطح قضايا غير مالوفة غير معتادة، لكي تقدم للشعب قيمة مضافة لان الحرب القائمة بين العلمانيين و الاسلاميين و بين العلمانيين والنظام و بين النظام و الاسلاميين هي حرب ثلاثية قديمة، ولم يعد لها معنى و ايقاعها قديم جدا ولن يتبناه المجتمع ثانية، بينما لا يجب ايضا ان نبقى دائما في نفس سقف المطالب التي توقفت في نفس مطالب الثمانينات، على الشعب ان يتبنى افكارا جديدة و ان يرفضها في البداية على الاقل يجب ان يعرف ان هناك مطالب جديدة تلمع في الافق، و ان كان يضن انه ابدا لن يصل اليها، فقط على المثقفين تمكينه من الرؤية البعيدة و سيعرف الشعب الطريق وحده ولو رفض الخوض فيها في البداية .
ان الديمقراطية الحقيقية لا تشيد فوق ارضية من شعب امي و متخلف عن الحضارة العالمية ، والامية اليوم ليست امية القراة و الكتابة و لكن هي امية ظبط المصطلحات، امية عدم التحكم في المعارف الحديثة و التكنولوجيات، امية النزعة الدينية و القومية و الابتعاد عن العلوم الدقيقة و الاكتشافات العلمية الحديثة و التطورات الاجتماعية التي تحدث في العالم ،على الشعب ان يكون على دراية بكل هذا لكي يفكر لا ان يبقى يشاهد مسرحية بائسة و فاشلة يتقاسم ادوارها النضام و الاسلاميون و العلمانيون، اللذين يبدون انهم كلهم جزء من اللعبة القذرة .
الديمقراطية ستكون لما يكون هناك شعب واع و متعلم و متحكم في كل المعارف العالمية، دون تدخل رجال الدين و دون منع من رجال السلطة و دون تسيير من العلمانيين، عندها وحدها سيكون الشعب من مقدوره ان يتقبل الاراء المختلفة و ان يشيد بنفسه بطريقة عصامية، ديمقراطية دولة قوية بشعب قوي و فرد قوي تكون عصبتها جينوقراطية و حكومتها تكنوقراطية ، اما اننبقى على حالنا بحكومة بيروقراطية و نخبة مثقفة استعراضية فاننا سنقدم الضوء الاخضر للمتطرفين للحصاد كل يوم و نمنع الشعب من التطور الى الابد في لعبة، قذرة نضالنا اليوم يجب ان يكون اجتماعيا اكثر منه سياسيا و الا اللعبة ستنتهي بنا في الهاوية .
انور رحماني