arablog.org

أنور رحماني: خلقني الله ربًا في رواياتي …

كاتب روائي جزائري، من أعماله: رواية هلوسة جبريل، رواية مدينة الظلال البيضاء، رواية ما يخفيه الله عنّا

يبدأ الحرف بالالتواء على عنقي، يدفعني الى الحياة، أكون حينها أتمرّغ في جو قذر من التفكير، ألفظ بدوري بركان الخيال، يخرج منّي كسحاب المطر، ليسكب مداده على أوراقي القديمة، المصفرّة لكرّاس أهداني ايّاه رجل مسن، أو أنام على فراشي لأحدث حاسوبي المكسّر، المهشّم والمدنّس، لأكتب بعفوية أحلامي وألامي دون أدنى اعتبار لما قد يحدث بعدها، أكتب روايات، قصص، أشعار، مقالات، أخلق شخصيات فأكون ربّها فأجعلها تكفر بي: ” أنا ربّكم الذي خلقكم بخياله ومداده، أنا محيّيكم وقاتلكم، أنا من يكتب لكم قدركم في هذه الرواية أو تلك” فترد الشخصيات بكلّ تمرّد على ربّها: ” انّا كفرنا بك، انّا كفرنا بك..” ومن ثمّ تعبث الشخصيات بكاتبها، تحادثه في الأحلام، تطلب منه ما تريد، وينسج هو فيها ما كان يظنّ أنّه حرّ في خلقه..

لربّما كان يحادثني شيطان ما، شيطان، كان يريد أن يجعل منّي مسدّسًا في يده، أو ربّما اختار الرب أن يكتبني بدوره وليعلمني كتابة القدر بنفسه، ليورطني في هذا العمل الالاهي، ثمّ ليجعلني ادفع الثمن الذي كان عليه أن يدفعه بدلأ عن الجميع، لم تكن كتابتي تهدف في الأساس للكتابة البحثة، بل كانت تبحث عن اداة حادة للانتقام، لقتل ذلك القبح المقدّس الذي من حولها، لشرح مكنونات الله، لافراغ شحنات غضبه، لجعله يكفر بدوره بهذه اللعبة الشمطاء، فهناك حتمًا شخصُ ما يجيدها كما يجيدها بالظبط، لقد خلقني الله لأكون ربًا في رواياتي، لأشبهه، بخياله ومكره، الخيال هو العصى السحرية في يد الله، أليس هو من يقول للشيء كن فيكون..

أوّل مرّة كتبت فيها، كنت طفلأ ليزال في ريعان وعيه، لم يقرا في ذلك الحين الّا القرآن، فلم أجدني أكتب الّا خواطرًا أشبه بالنص بالقرآني، ظنّت أستاذتي الجاهلة بالقرآن في ذلك الوقت أنّي كنت أكتب قرآنا، الّا انّي صححت لها، فما وجدتها سوى تهدّدني بغضب الاهي : ” من كسّر كلام الله كسّر الله له عظامه”، قبل تلك الحادثة كنت أرى الله جميلًا، أمّا بعدها فغدت صورته أكثر واقعية عن ذي قبل، الله لا يريد أن تحرّف كلماته التي كتبها، تمامًا كما لا أريد أنا أن يسرق أسلوبي أو تعابيري، أو أن تحرّف بعدها، كان الله متشبثًا بملكيته الفكرية وكذلك غدوت

انطلقت الكتابة في الفضاء كرؤوس الملائكة، تطوّرت كما تتطوّر الفصول، كتبت عن الحب، عن الجنس، عن الدين، وعندما سرت الاهًا رسميًا، بدأت أولى تجاربي في خلق الحياة، كتبت روايتي هلوسة جبريل، وتحديث موت غبريال غارسيا ماركيز وأعدته للحياة في هلوسة امرأة جزائرية تمثل النسخة القذرة لمريم العذراء، مريم جديدة تكره الله، تكرهني، تحاول الانتقام منه،مني، ليرسم لها، لأرسم لها، طريقًا جديدًا وليفاجئها، افاجئها، بأحداث غريبة وأصيبها بالجنون، وفي روايتي مدينة الظلال البيضاء، أعدت خلق الرب ليحاور طفلًا صغيرًا على دراجة، رواية أوصلتني الى تحقيق الشرطة القضائية، فكانت الحادثة الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر

أمّا تجربتي الجديدة الموسومة ب ” ما يخفيه الله عنّا ” فقد جعلت الله نظامًا سياسيًا، دينيًا، اجتماعيا، يحكم العوام ليس الّا، لأجعله يخسر سمائه ليلتهم الناس كتمساح يعيش بين الناس، تمساح ليس سوى مجموعة مصالح لأناس يستغلون اسمه لمصالحهم الخاصة ويستغلون الدين أبشع استغلال للسيطرة على الشعب، في ديستوبيا سياسية وديني، يظهر فيها الله في العنوان الكبير ليختفي في فصول الرواية، كالحياة بالظبط

كتبت لأصير الاهًا، لطالما أغراني الرب في مكانه، لطالما أردتني أن أكون ربًا بدوري، أفعل ما أشاء ولا أحاسب، الروابة هي فعل الله، هي الند بالند، والروائي اله يكتبه الله

أنور رحماني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *