arablog.org

التدوين… الخيط الأحمر بيدي

انور رحماني

التدوين ليس اداة للتعبير عن الأفكار فقط، بل هي أداة ايضا لتحقيق التغيير و لحمل مشروع فكري ما، وللثورة على كل ما يعيق تقدم الانسان و رقيه، و التدوين كذلك هو شهادة بعين كاتب على وقائع ما، تختزل فيها المسافة الرقيقة بين الكلمات ما قد تبعده المسافات الجغرافية البعيدة، كجسر يربط بين الانسان في الأفق مع ظهيره الانسان في الشفق، كما هي لسان المواطن البسيط عن حاله خارج ايطار البروباغندا و الأجندات المخيفة التي لا ترى فيه سوى رقما اجتنابيا هامشيا لا استثناء فيه لرقم على اخر، فلكل خارج ايطار القرار مكلف بلعب دور المفعول به في الجملة دون وعي أو ارادة، حيث تلعب وسائل الاعلام دور غاسلة المخ لتمرير الافكار و الخطط الهدامة.

وهو كذلك سؤال بسيط من شخص لطالما قادته الأجوبة السهلة نحو الجنون أو نحو التنكر لكل شيء. التدوين هو نمط شعوري فريد تغذيه اللغة البريئة التي قد تقول كلماتها بكل عواطفها و عقلانيتها دفعة واحدة، و لكنها كذلك لسان صدق و زئير رفق بالانسانية المكبوتة في جوف هذا العصر الشرس.

اخترت يوما ما أن أدون لأعبر عن ذاتيتي و موضوعيتي ولأساند أخي الانسان في محنته، و لأكون خلية عقل فعالة في هذا العالم الناشف و الصاخب حيث هزت المدافع مضاجعه، و استلمت ملائكة الموت مراقده، فكل ما في هذا العالم اليوم بات مضلما و ظالما و بائسا اشد بؤس.عالم يقتل و يكره فيه الانسان اخاه الانسان لا لسبب سوى لاختلاف فيه، مرده ألام لم يخترها بيده، أو أفكار ورثت له و تغلفت بالتقديس، أو حركية فكرية طبيعية لنقد ما قد قدم له و لم يستحسنه، أو ما استودعته الطبيعة فيه من عواطف متمردة بطبعها على العادة الالزامية التي يدفع اليها المجتمع، أو لرأي سياسي أو فلسفي أو لنعرة بيولوجية أو اجتماعية على حد سواء. فاخترت أن أدون لأفتح القوس للعقل الانسان و لأتركه مفتوحا للتمرد على ما قد يعيق تقدم الانسان ويهين كرامته.

عندما بدأت التدوين لم أتوقع اني ساذرم النار في نفسي و أحرقها لتلتهم النيران هشيم ذاتي المحطمة، فلطالما كنت اظن الرأي رأيا لا يصح الرد عليه بالرصاص أو باي شكل من أشكال العنف، و لكني طويت شبابي و قدمته قربانا للكلمات ولمثل عليا و مبادئ اقسمت بها لأجلها، و لكني غدوت مرجعا للألم المصاحب للتمرد و الثورة، و تم تعنيفي بكل الطرق من أجل دفني و تركي خارج السرب. كتبت مقالات، ألفت كتبا و نشرتها الكترونيا، كتبت قصصا و روايات،و في النهاية وجدتني أعود للتدوين كسلاح من أجل البقاء و لكي لا أستنزف روحي و لكي ادافع عن نفسي على مدار الكتابة.

ان الكتابة فصول كدورة لذلك الكوكب الأزرق على شمس الكرامة و الحرية الانسانية، فهي فهم بليغ تمحى ادوات التشبيه لنجدنا امام اشد المجازات حقيقة و أقربها للواقع المتزلف و العبثى، حيث تكثر فيه الأفكار و الأشياء و حيث يبدو البحث عن الحقيقة كالبحث عن ابرة في كومة قش، كالبحث عن كوكب الأرض وسط ملايير النجوم و المجرات . اخترت ان أبعث نفسي مجددا في التدوين لأبث ما تبقى من روحي التعيسة في جسدي ثانية، و لأقول لا حين يجب ان أقولها و أن أقولها حيث اريد أن أقولها، و أقولها حيث تقول هي نفسها بارادتها المستقلة، عدت للتدوين لكي أضع أربط الخيط الأحمر في يدي لكي اصرخ وسط ملايين البشر أنا موجود.

أنور رحماني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *