arablog.org

أنور رحماني: الفرد هو النواة الأولى للمجتمع و ليس الأسرة

أنور رحماني

 

يتسع الجدل القائم حول الفرد و المجتمع في الفضاءات المغلقة التي تحتكرها النخب لصالحها في عالم الجنوب دونما تصريح لهذا الجدل القائم بان يلج نطاق اوسع و ان يلمس بيده كف جميع افراد المجتمع دون تمييز نخبوي فالمعارف و المعلومات و الجدليات المفتوحة في ايطار نخبوي سلطوي ضيق هي اكبر من تلك المفتوحة على نطاق اوسع في المجتمع و ذلك كغرور نخبوي يسيطر على هذه النخب المزيفة التي ما فتات ان تحصلت على قدر ظئيل من المعرفة لتحتكره لنفسها و ان تقدم لباقي افراد المجتمع من المعارف ما يخولها لتسيطر عليهم بشكل ابدي

من يمتلك المعرفة يمتلك رقاب الناس هذه الجملة هي بمثابة قانون اجتماعي يسري منذ بداية الحضارات الاولى للانسان حيث تتحكر النخبة المسيطرة على المعرفة و ما يتم تداوله في باقي اعضاء المجتمع لا يكون سوى سرابا لها او اكاذيب مفبركة يتم اختراعها لغاية السيطرة على افراد المجتمع بطواعية

و بالنظر لحالة المجتمع الجزائري على سبيل المثال فان الامر يبدو اكثر من واقعي و منطقي حيث يتم تكرار المعرفة المزيفة في عملية ضخمة من التزييف و التزوير بدءا من التاريخ الى العلوم و الى الديانات من اجل تقزيم فكرة الانسان القادر و الفرد النواة الاولى للمجتمع عن طريق التكرار عبر الاعلام و التعليم

من منا لم تمر عليه جملة ((الاسرة هي الخلية الاولى للمجتمع)) هذه الجملة التي تفتقر لصلاحيتها تكاد تكون سلاحا فتاكا يهدد ديمومة المجتمع و تطوره فهي بشكل توظيفي احدى تلك الادوات الموجهة تخصيصا من اجل الغاء الفرد و كينونته فالفرد في الحقيقة هو الخلية الاولى للمجتمع و النواة الاولى له اما الاسرة فما هي الا حدث بيولوجي او شكل من اشكال تلاحم الافراد فبإلقائنا نظرة منطقية حول المصطلحات الثلاث المجتمع و الاسرة و الفرد الانسان نجد ان ما بين المصطلحات الثلاث مصطلح واحد فقط يعبر عن كائن حي له كينونة مستقلة و احاسيس و فكر هو الفرد الانسان اما المجتمع و الاسرة فما هي سوى مفاهيم مقدمة بشكل متكرر روضتها الانسانية عبر الازمنة كأداة من ادوات التكافل من اجل مقاومة الطبيعة و تكريسا لغريزة حب البقاء كغيرها من المجتمعات الحيوانية الاخرى التي تسري في الحياة بشكل قطيع كالذئاب و و الثيران و الاحصنة و غيرها من الكائنات الحية كالنمل و النحل و غيرها و بالتالي فان تلاحم بعض الكائنات البشرية في نسيج واحد يسمى مجتمعا في أغلب الأحيان ما هو سوى فعل بيولوجي بحت نابع من نزعة حيوانية في الاصل داخل الفرد كفرد و بالتالي الفرد هو الدافع المؤسس لفكرة المجتمع و بالتالي هو النواة الاولى له فالمجتمع و الاسرة ليسا سوى مفهومين اما الفرد فهو الكائن الحي

تغلب على المعرفة الموجهة للعوام عادة طابع ((اعدام الفرد)) و تغليب فكرة القطيع الحيوانية الموروثة من زمن ضعف الانسان و ذلك من اجل منع اي تسلق لأحد الافراد الى خارج هذا القطيع و وصوله الى مراتب عليا في السلطة فجميع المعارف المقدمة في المدرسة و الجامعة و وسائل الاعلام  تخدم نفس الغاية و هي غسل دماغ الافراد و جعلهم اكثر مرونة  وقابلية للتضحية بكينونتهم و استقلاليتهم خدمة لهذا المشروع و لذلك تعيش المجتمعات المتخلفة حياة اظطهاد ضد افرادها المتحررين من سطوة المفهوم على الكائن الحي  وعلى سبيل المثال مجتمعي الجزائري الذي اعيش بداخله في كنف مجتمع كائن و فرد معدوم فيتحول الكائن الحي (الفرد) الى مفهوم بسيط بينما تكون المفاهيم كالمجتمع والاسرة هي الكائنات الحية التي تقدس حياتها و تحترم فالفرد لا مكانة له بتاتا ولا استقلالية له في اختيار افكاره او اسلوب حياته او دينه او معتقده او فلسفته الخاصة حيث يطغى عليه المجتمع بزيه الواحد و فلسفته التي يمررها له عبر وسائل السلطة التي تحتكر صناعة المفاهيم و الترويج لها

ان المدارس و الجامعات و الجرائد و قنوات التلفيزيون و الاذاعة و الكتب المسموح بها ليست سوى اداة من تلك الادوات التي يتم استخدامها من اجل تمييع قدرات الفرد و جعله يتنازل عن حقه الخاص في الكينونة و الحرية و التواجد كشخص و لو خارج المنظومة الاجتماعية المكرسة حولها فلو كانت المفاهيم التي يكرسها مجتمع ما صحيحة لما وجدناها تختلف من مجتمع الى الاخر فكل مجتمع يصنع غرائه الخاص الذي يجعل افراده يلتصقون به الى الابد و يمنعهم التحرر منه

و ان المجتمعات المتقدمة هي تلك المجتمعات التي فهمت الدور الحقيقي للفرد الانسان في صناعة تطورها فراحت تحرره من سطوتها و تفتح له ابواب الحرية على مصرعيه محافظة على الحد الادنى من السيطرة المتمثلة في القانون الذي يخدم في الاساس حياة و حرية الفرد من اي انتهاك في ايطار فردي او جماعي و من هنا حافظت تلك المجتمعات على بقائها من جهة و على كينونة افرادها و وجودهم من جهة اخرى على عكس المجتمعات المتخلفة التي تقوم على الغاء افرادها لصالح الحفاظ على ثقافة القطيع التي تكفل بقاء شريحة النخبة المسيطرة الى الابد في مقاليد الحكم و صناعة القرار

ان الفرد بشكل مؤكد هو النواة الوحيدة الأصلية في المجتمع و هو أهم بكل تأكيد من المجتمع في حد ذاته فبدون الفرد لا وجود ولا بقاء لأي مجتمع بينما الفرد اذا تم عزله عن مجتمع فبأمكانه اختيار مجتمع اخر و الأندماج فيه باعتباره كائن اجتماعي بالدرجة الأولى

أنور رحماني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *