arablog.org

الكبت الاجتماعي : المكبوتات الاكثر تاثيرا على الوعي العام الجزائري

صورة الكاتب انور رحماني

صورة الكاتب انور رحماني

 

المجتمع كذات قائمة يستوجب وجود عقل اجتماعي يحركه مما يكفل وجوده الاجتماعي المستقل و ذلك بمدى انخراط افراده في عملية التاثير و التاثر البيني في ايطار ما ينظر له كمصلحة عامة و لكن كعملية اوتوماتيكية من فرد لفرد تبدو قاصرة عن  بسط مفهوم مطلق لابراز الوعي الاجتماعي و دراسته و كذلك على وضع تحليل شامل و دقيق لبعض سلوكيات الفرد الجزائري و ذلك كون عملية التاثير و التاثر التي تقع في المجتمع و ان تبدو مضارعة الا انها في الحقيقة تكتسب بعضا منها من خلال التوارث من قبيل جيل لجيل اخر و ما تحوزه تلك الاجيال من معارف و افكار سابقة صحيحة كانت ام خاطئة

و بالنظر للمجتمع الجزائري بكونه مجتمع تحكمه مجموعة من قواعد تاريخية فهو مجتمع يقدس الماضي و يستمد حضوره من ذلك البعد الغائب و الذي يستحضره من خلال بعض الافعال التي يعتبرها افعالا مقدسة و هي لا تخرج عن باب التقليد و العادة الاجتماعيان و لكن في استحضاره لذلك الماضي لا يكون الجزائري دائما فاعلا في العملية فغالبا ما  يكون هو ذاته المتلقي دون اختيار منه و كذلك  قد يكون سالبا في عملية الفرز فيكتفي بالقبول او الرفض المحتشم مع قبول سلبي

و مجتمع كهذا يتقوقع في ماضيه فالاكيد ان ذاكرته الاجتماعية تلعب دورا اساسيا في صناعة شخصية الفرد و من هنا يجب ان تطرق لتلك الذاكرة المنسية او ابعادها الغير مدركة الا من خلال السلوكات المظطربة التي قد تشوب العملية الاجتماعية ( التاثير و التاثر ) كرفض الفكر الاخر و رفض الاختلاف و تقديس بعض الموروثات الاجتماعية و رفض نقدها او حتى دراستها دراسة موضوعية  و اظطهاد الانسان و رفض الحرية فهنا لا نكون في عملية اجتماعية بسيطة بل نكون قد دخلنا الى عملية اجتماعية مركبة يحكمها العقل الباطن للمجتمع و ما فيه من ترسبات مصدرها الاحداث السابقة في تارخ حضوره و من هنا فنحن نتكلم بشكل مباشر عن المكبوتات الاجتماعية

الكبت الاجتماعي في الجزائر

ان الاحداث التي يمر من خلالها مجتمع ما لا تمر مرور الكرام بل تبقي على مخلفاتها الفكرية في الوعي العام الاجتماعي و تصبح القدرة على علاجها امرا صعبا جدا لان المجتمع و ان كان له وعيا عاما فهو يحتوي في جملته على مجموعة عقول منفصلة تكون وعيا مستقلا احيانا و قرارات تصادمية و لو كانت بشكل او باخر مرتبطة بالوعي العام فهنا تكون عملية علاجها غير مقتصرة على علاج افكارها على المستوى العام بل على المستوى الفردي كذلك و هنا قد نجد صعوبة اكثر كون المجتمع ليس مبني بجملته على شريحة عمرية واحدة كاطفال او مراهقين او شباب يسهل اعادة برمجتهم على افكار نوعية جديدة عكس بعض المراحل العمرية الاخرى التي تكون قد تجاوزت مرحلة التلقي و يصعب عليها نهائيا التجاوب مع البرمجة الجديدة تشكل عائقا على هذا التغيير الالزامي في مواجهة السلبيات التي تخلفها المكبوتتات و ازالتها فهذه الشرائح  عادة تمثل دور المقاومة للتغيير فهي تؤسس لفكر القدوة في المجتمع و تلزم الشرائح العمرية الاخرى على تعقب اثرها بما يخدم النظام الاجتماعي المتوارث و هذا ما يشكل تهديد لتطور المجتمع و يخلق ما يشبه الجدار بينه و بين نماء القدرات العقلية و الفكرية للمجتمعات الاخرى فيصبح بعض افراد المجتمع المؤثرين حواجزا بشرية لحماية المكبوتات الاكثر تاثيرا فيه عبر عدة وسائل منها ( الدين النظام العام الاخلاق الاداب العامة وسائل الاعلام دور العبادة المكتبات الكتب الموسيقى الفنون و غيرها )

المكبوتتات الاكثر تاثيرا في المجتمع الجزائري ( المعاصرة )

الثورة الجزائرية و الاستعمار الفرنسي

ان الاستعمار الفرنسي كاخر استعمار شهده المجتمع الجزائري جاء ليمضي اسفل كل الاستعمارات السابقة و كانه المسؤول الفعلي عن كل ما سبقه في نفس السياق و من هنا الفعل الاخير هو الفعل المقر في احداث الوعي و من هنا نرى ان الاستعمار الفرنسي كان له مخلفات كبيرة في الراي العام حيث اكسبت ذكرياته كبتا لدى المجتمع الجزائري جعله يرى للغرب ككل و جميع الافكار التي تاتي منه و خاصة من فرنسا من باب العداء فهو يرى فيها استعمارا فكثير ما يستعمل الجزائري في خطابه كراهية بشكل او باخر لكل ما قد ياتيه من هناك من اساليب حياة او افكار و على الرغم من انه احيانا يمارسها تطبيقا و لكنه يبقى على رفضها نظريا و يعتبرها استعمارا بشكل او باخر

فترة الحزب الواحد

ان فترة ما بعد الاستقلال الى غاية التعددية الحزبية خلقت نوع اجتماعي من  مرض التوحد لدى المجتمع الجزائري حيث ان حالة العزلة التي  انكب فيها هذا  الاخير افقدته قابليته للافكار الجديدة او قدرته على الاختيار فقد الزمت السلطة نفسها بهذه العملية دون الشعب مما افقد هذا الاخير ملكته تلك فلم يعد يقوى على التفكير بنفسه الا من خلال الافكار التي تقدم له جاهزة من السلطة العامة او ما يمثها على الصعيد التربوي او التعليمي او الاعلامي

احداث التسعينات و المصالحة الوطنية

ان احداث العشرية الدموية في الجزائر و ما سبقها افقدت الشعب الجزائري ايمانه بالتعددية الفكرية فاصبح ينظر للديمقراطية بمنظور فاشل فهو لم يعد يصدق فكرة وجود تصارع فكري متحضر فاصبح عدائيا في تصرفه مع الاخر المختلف ليس حماية لفكره و انما خوفا من نشوب صراع مشابه مرة اخرى مما جعله يتراوح مكانه دون اي تطور فكري ملحوظ و ان عمليات القتل التي كانت تقودها الجماعات الاسلامية كان بامكانها ان تكونا كبتا ايجابيا يجنب الشعب الجزائري التجارة السياسية باسم الدين  لكن جائت بعدها المصالحة الوطنية لتكرس لسياسة اللاعقاب و ازالت فكرة التجريم عن ذوي الذقون مما اكسب الشعب الجزائري اضطرابا واسعا و تم ترسيم جمهورية الارهاب الذي كان يقتل الشعب بالسلاح اصبح يقوم بارهابهم باسم المصالحة و الحفاظ على الامان مما افقد مصداقية الدولة في تعاطيها تجار الدين  سوق لهم كمنتصرين في الحرب بوضع سلاحهم و مواصلة حياتهم و النجاة من العقاب فتبع الشعب الجزائري غالبه كالعادة كقاعدة اجتماعية ثابتة و اصبحت افكار الاول بمثابة مصدر تحوزه هالة من التقديس يصعب تجنبها

الفساد الاقتصادي

ان هروب رؤوس اموال كبيرة من الجزائر نتيجة الفساد السياسي و الاقتصادي و التهرب من العقاب و كذلك حالة الرشوة العامة التي عرفها المشهد الاقتصادي الجزائري جعل من فكرة الاقتصاد النقي فكرة فاشلة هي الاخرى في الوعي العام مما دفع كذلك الشعب الجزائري الى تبني نفس المنهاج في التعامل اذ تم نزع صفة الجريمة اخلاقيا على مثل هذه التصرفات عن طريق التعود على ذات الفكرة كحالة عامة يجب التاقلم معها

 

و في الاخير اريد ان انوه الى ان المكبوتتات الجزائرية كثيرة جدا و هذه عينة صغيرة فقط و تعمل هذه المكبوتتات بجملتها على رسم شخصية الفرد في الجزائر الكسول و الفاسد و الذي لا يؤمن بالتعددية الفكرية و يحبس نفسه في الفكرة الدينية و الذي يعادي الاجنبي بكل شكل من الاشكال فنجدان حالة الجزائري المخالف لهذا النوع العام حالة قليلة جدا كونها تمثل مقاومة لهذه المكبوتتات و لذلك اي ارادة حقيقية في تطوير الجزائر عليها ان تاخذ من العامل النفسي الاجتماعي بوابة لها لان الحل يكمن في القاعدة و ليس في راس الهرم

 

انور رحماني ( جميع الاراء يتحملها صاحبها انور رحماني )

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *