arablog.org

أنور رحماني : دعوني اتمرد على كل شيء

 

انور رحماني

ترتل الكتب عادة لكي يخشاها القراء لكي لا يفتحو حولها نقاشا جديا و موضوعيا و لكي تبدو مع اسمائها اللماعة التي تخطها ديبلوماسية للحقيقة و ممثلة رسمية لها فهل هناك من شجاع ينقد الحقيقة  الحقيقة الرابضة في زوايا المجتمع التي يتوارثها جيلا وراء جيل لكي تمسح الفكر مسحا و لكي تضع على يدي الحرية اساورا لمحكمات قاضية لا تحاور الحرية لشيء

يقراون الكتب بايقاع موسيقي لطيف يرفعون نبرات الصوت احيانا لكي يصنعوا هالة من الخشية على فاعليها و ما الكتابة سوى فعل   و هل تقرا الافعال بتبجيل حاد  سوى في تلك المجتمعات التي لا تفعل

القراءة هي هروب من الفعل فما الجدوى اذن ان نهرب من الفعل لنقع في ما هو اسوء منه

يسعى المجتمع في الحقيقة و في الكتب الى ان يكون الله دائما و ان يكون المجتمع هو الاقوى هو السلطان يتسلم من نسخه السابقة ذاكرة لسجن الفرد مدى الحياة و لكي يذوب الانسان في الكذبة المطلقة التي يسميها حقيقة مطلقة و يسعى بجهد لالغاء اي زاوية تحادث نظرة مختلفة للاشياء

هل من متمرد يلغي القاموس القديم و الجديد و بل يلغي القاموس اصلا   فالانسان يتعلم الشر من اللغة التي يتعلمها التي يتكلمها التي يقراها و التي يبجلها   فهل كان الانسان ليقتل دون ان يتعلم من لغته القتل و من مفهومه لا اظن الانسان الاول الذي قتل قد فعل هذا دون ان يفهم من قبل ان القتل يعني ان تضع حدا لحياة ما

ان اللغة تصنع افعالها و كلماتها بعد ان يفعلها البشر و يتعلمونها و لكن الافعال الشريرة فيها تصنع من قبل في مخيال اؤلائك الاشرار الذين يسعون بجوارحهم للبقاء الاحادي الجانب لالغاء الاخر الذي قد يكون طفرة في النظام العام او يصنعها اؤلائك الطيبون اللذين يظنون ان من حقهم ان يمارسو الشر احيانا لحماية الطيبة و الخير

ان في كل انسان جانب مظلم و اخر مضيء و ليس من الضروري ان يضيء الانسان جانبه المظلم لكي يكون مستنيرا او ان يجعل نفسه حبيس الجانب المضيء او ان يجعل جانبه ذاك يضيء الجانب الاخر لانه ان فعل ذاك فهو يقع في النفاق فالاجدر في حقيقة الامر ان يتعايش الانسان و ان يتصالح مع جانبيه دون ان يترك الجانب المظلم يتغلب عليه فيصبح شريرا و دون فسح المجال للجانب المضيء ليتغلب عليه فيصبح متكبرا على حقيقته البشرية فيمارس الشر دون معرفة منه ضد كل اؤلائك الذين يمتزج فيهم الجانبين

و ان تحدث الانسان لمجتمعه فعليه ان يمسكه من ذيله و يجره فان النظر لوجه المجتمع بعيني انسان عادي قد يصيب الانسان بالتجمد فالمجتمع عاهة مستديمة

فهل هناك من بطل يعمي تلك النظرات المعجزة و المخيفة للمجتمع لكي يواصل المتمردون عملهم  المتمردون اللذين لم يختاروا ان يكونوا متمردين بل دفعهم المجتمع بحدته و قسوته و جبروته و تسلطه ان يكونوا كذلك

ربما تستطيع شحوص الالهة ان تكتب قدر الابطال في الروايات و الكتب و ربما تفتح على نفسها النار بمجرد نقد الروائي الاكبر و لكنها لا تحتضر ابدا فهي تناقش رسالة كل عصر رسالة قوية  لا يفهمها الا اؤلائك الغائبين عن طقوس القواعد الامرة و الناهية

دعوني اتمرد على كل شيء فلا شيء يليق بي ولا انا اليق بشيء دعوني اتمرد على الادب الذي يكتبه الجبناء ليقراه الاغبياء دعوني اتمرد على الدين الذي يصنعه الاذكياء ليتقمصه الصعفاء دعوني اتمرد على اللغة التي نسجت خيوطها في سيرورة مجتمع مريض و محطم دعوني اتمرد على الموسيقى التي اصبحت تحاور الجيوب لا القلوب و المسامع دعوني اتمرد على السياسة التي اصبحت سوقا سوداءا لدموع و دماء الاطفال دعوني اتمرد على الاقتصاد الذي باتت اقطابه في تنافر دعوني اتمرد على كل شيء و استلقي غاصا في احلامي انسج انا و الطبيعة من حولي ثوبا للبقاء الابدي و الازلي في عالم لا يشبهني تماما

فلا يشرفني ان اشبه عالما لا يشبه شيء

 

انور رحماني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *