arablog.org

رحلتي الى المانيا : بلد يرد الروح

انور رحماني

في شهر جوان سافرت الى جمهورية المانيا الفيديرالية من اجل المشاركة في الملتقى الدولي للاعلام و للمشاركة ايضا في دورة تدريبية حول صناعة القصة و الفيديو من طاقم معهد كريمي الالماني بمقر قناة دويتشي فيله ببون برعاية هذه الاخيرة و وزارة الاعمال الخارجية الالمانية

في الحقيقة زيارة هذا البلد كانت حلم بالنسبة لي فانا طيلة حياتي كنت اشاهد القنوات الالمانية فقد بدات طفولتي على الرسوم المتحركة في القنوات الناطقة بالالمانية ك سوباغ ارتيال الى مراهقتي حيث كنت اشاهد بعض ال

مسلسلات الالمانية للممثل و المخرج الالماني جو فايل و على راسها مسلسل فيغبوتن ليبه و كنت ابني عليها تصورات زادت من عشقي لهذه الدولة التي ساعدت الجزائر كثيرا بعد استقلالها و صدرت لها التكنولوجيا و وضعتها في اولويات الاستثمار

العلاقات التاريخية الجيدة التي تجمع الشعبين الجزائري و الالماني لم تجعل من الرحلة تبدو صعبة جدا فعكس اخواننا العرب فان الالمان يعرفون الكثير من المعلومات عن الجزائر و مرافقتهم و الحديث اليهم تجعلك مندمجا جدا معهم فشخصية الالماني الفضولية تجعله يضع حول حديثك الكثير من الاهتمام فيجعلك تشعر في لحظة  انك رئيس جمهورية و لست مواطنا عاديا من دولة اجنبية

و انا في مطار هواري بومدين بالجزائر كنت انتظر الطائرة بفارغ الصبر حتى اني كنت في المطار قبل اربع ساعات من موعد الاقلاع و كنت احسب الدقائق دقيقة دقيقة باحثا في خيالي عن شكل تجسيمي افتراضي لمدينة فرانكفورت التي ساحط فيها و انا في قاعة الانتظار جلست مع عائلة جزائرية تقطن بالمانيا تسافر على متن نفس الطائرة تكلمنا كثيرا عن القانون عن السياسة عن اي شيء في المانيا و في الجزائر و راح يقارن بينهما كانت يتكلم بكل جزائرية حتى اني كدت اتخيل جمهورية المانيا جمهورية اسلامية فهو الذي كان يحكي لي عن مظاهر الحجاب في هذا البلد و عن الشريعة الاسلامية حتى اني تخيلت للوهلة الاولى اني مسافر الى العربية السعودية و ليس لهذا البلد الاوروبي

قبل وصول الطائرة بحوالي ساعة اشترى رب تلك الاسرى التمر الجزائري المعروف دقلة نور  و الحلوى الجزائرية  المسماة قلب اللوز له و لزوجته و جلسا امامي ياكلانها بعنف في تلك اللحظة فقط عرفت ان المانيا تبلع المهاجرين اليها و تجعلهم يتوهمون انهم يعيشون في بلادهم الفضيلة فيقلدون عادات شعب ذلك البلد ففي الجزائر مثلا لا يشتري ابدا الواحد منا شيئا لياكله الا و يشتري لمن معه نفس الشيء او على الاقل يدعوهم لمشاركته اما هو فقد كان امامي يمضغ قلب اللوز بشراهة و يحدثني عن الاخلاق الاسلامية في هذا البلد الاوروبي

حطت الطائرة و ركبنا على خطوط لوفتانسا الالمانية و استقبلتنا حور العين مضيفات شقراوات طويلات تشبثت بعقلي و قلت لها بالفرنسية بون جوغ و ردت هي بالالمانية هالو نسيت اللغة حينها و قلت لها بالانجليزية كان يو شو مي ذ نامبر اوف ماي  سيت بليز اي كانت فايند ات ردت عليا بظرافة فتشكرتها بالامازيغية تانميرث و جلست في مقعدي و لعنت حظي بالعربية

بين خليط اللغة ذاك راحت الطائرة تحلق في سماء الجزائر فالمتوسط ففرنسا فبلجيكا فالمانيا الغريب في الامر ان المسافة بين مدينتي و بعض المدن في صحراء الجزائر ابعد من المسافة بين مدينتي و المانيا فالمسافة ليست بعيدة جدا فانا لم استغرق سوى ساعتين و بضعة دقائق عكس اي رحلة بين المدن الجزائرية الشمالية و الجنوبية على متن الخطوط الجزائرية فانت تستغرق مدة اطول و ربما اطول بكثير

هذا الامر يزيد من غرورنا نحن كجزائريين فوطننا الشاسع يمكنك ان تضع فيه كل دول غرب اوروبا و تطلب منهم ان يدفعو الايجار فاكثر من تسعين بالمئة من الجزائريين البالغ عددهم اربعين مليون نسمة يسكنون  عشرين بالمئة فقط من مساحة الجزائر مما يستطيع ان يوفر ثمانين بالمئة للايجار كدخل اضافي

انا فقط امزح الجزائر لا تباع ولا تشترى ولا تؤجر الا احيانا للشركات البترولية الغربية المهم واصلت رحلتي و حطت الطائرة في مطار فرانكفورت الدولي اكبر مطار بالمانيا و احد اكبر الموانيء الجوية في العالم لقد قاربت على التيه و كان يجب عليا ان اصل لحقائبي و ركوب القطار السريع بعد ساعة و نصف فقط

بحثت عن حقائبي و اتجهت الى محطة القطارات السريعة و اخذت كل تذاكر القطار  المحجوزة لي سابقا ذهابا و ايابا من الالة   و اكدتها لدى المصلحة و ذهبت لانتظر القطار خاصتي و مقطورته رقم ثمانية و اربعون جلست و بقيت الاحظ هذا الشعب الالماني العظيم فلم الاحظ سوى الافارقة و الهنود بحثت في كل مكان الى ان وجدت المانيا جالسا في مقعد يرتدي شورط قصير جدا قد يعتبر كالسون في الجزائر و كلاكيت فارتحت و تاكدت اني في المانيا

انور رحماني

القطارات هناك لا تنتظر احدا مجرد ان تقف لبرهة زمنية قصيرة و تودعك توقف القطار خاصتي و رحت ابحث عن المقطورة و لكنها كانت عشرات المقطورات لم استطع ان اجد مقطورتي فركبت احداها دون الاكتراث لرقمها و انتظرت الموظف

بالرغم من شساعة قدرة  قطاع النقل في المانيا و شبكة قطاراته الكبيرة  الا انني فضلت القطار و الميترو و الترامواي الجزائري ففي الجزائر ينتظر القطار لبرهة زمنية تجعلك تركب في هدوء تام و انت تلعب بالهاتف و انت تاكل او تشرب او حتى تغني اما القطارات في المانيا فتجعلك تجري و انت خائف في ان يغادر قطارك قبل ان تصل الى المقطورة الخاصة بك

بعد ذلك استنتجت ان هذا النضام الوقتي السريع في المانيا يجعل الالمانيين اسرع و يجعلهم يحترمون الوقت اكثر عكس الجزائريين اللذين تغلب عليهم الثقافة الاستهلاكية و استنفاذ الوقت في التفاهات

ركبت القطار و رحت اعد المناظر من النافذة من فرانكفورت الى المحطة الرئيسية ببون بالمانيا لقد صدمت في البداية عندما لاحظت تلك الغابات طيلة الطريق شعرت اني مسافر داخل الجزائر من ولايتي الى احد الولايات الحدودية معها فمنظر الاشجار لم يكن غريبا جعلني اشعر اني في الجزائر و لم اغادرها فانا توقعت ان ارى ناطحات سحاب كثيرة الشيء الذي لم الاحظه البتة في الطريق امسكت مجلة المانيا و رحت ادعي قرائتها

عندما وصلت للمحطة الرئيسية كان علي الاسراع لان خط الميترو الذي كنت ذاهبا من خلاله الى وسط المدينة كان في طريقه للاقلاع ركبت بسرعة و وجدت هناك محمد فتحي مصري كان سيشارك معي في نفس التدريب و في نفس الملتقى ذهبنا سويا و في طريق التقينا بالماني شاب في الخامسة عشر اراد مساعدتي بعدما اعطيته مناديل ورقية وصلنا الى محطة ميترو بون الرئيسيية و غيرنا الوجهة في ميترو اخر الى بون فاست حيث ذهبنا الى بي اند بي هوتال و في طريق كحلت عيني جيدا بجمال الالمانيات و الالمانيين

بدات رحلتي تاخذ حيزها الحقيقي بعد وصولي الى المكان العلم التقيت هناك بمن يشاركونني التدريب سبعة اشخاص قضيت برفقتهم اطيب اللحظات و معهم المشرفين على التدريب جويدو و انات و ماريا لقد احببت الكل و لكني لاكون صريحا فاني شعرت باندماج افضل مع الالمان اكثر من العرب سواءا في الدورة التدريبية او في ايام الملتقى الالمان كنت احادثهم باريحية و لم اجد صعوبة في الانصهار في نموذجهم الكلامي و المجتمعي على عكس العرب الذي وجدت نوع من النفور بيننا بالرغم من اني حاولت جاهدا الاندماج لذا كنت طيلة الوقت معهم الازم الصمت او اتحدث الى الالمان او مع كتالينا احد المشاركات من دولة مولدوفا الاوروبية

انور رحماني 10353714_404865769711607_9017830937236239352_n 10462563_404867023044815_3339966669353929803_n

في رحلتي الى المانيا جربت المطعم الصيني و المطعم المكسيكي و المطعم الهندي و المطعم الياباني و لكنني لم اجرب المطعم الالماني

طلبت مرة واحدة بيتزا باحد المطاعم هناك بمبلغ اربعة عشر اورو لتفاجئني  انها لم تكن سوى فطيرة جزائرية بقطع دجاج  قليلة و سوس ناشفة ترحمت في ذلك الوقت على البيتزا الجزائرية الكبيرة و الشهية و المليئة بالمواد الغذائية و المشبعة و الذكية التي تعرف كيف تجعلك سعيدا و ان تذهب الى الجزء الاكثر جوعا في فمك و تذوب هناك بسلام  التي يمكنك ان تشتري عشرة من امثالها بنفس مبلغ تلك البيتزا الغالية و الفقيرة التي اشتريتها في ذلك المطعم الالماني

البيرة الالمانية كانت في كل مكان تناديك تعالى و اشربني و المشروبات الكحولية لن تجعلك تسكر فكل ما ستشعر به هو قليل من السعادة الرائعة في كل مكان حان و بار و علب رقص و ملاهي في كل مكان نوادي للسعادة مليئة بالشباب الذي يمضي ايام عطله بطريقة سعيدة جدا

زيارة الى بيت بتهوفن

حديقة

من احلامي الوردية التي كنت احب ان اسرح فيها هي ان ازور بيت بتهوفن يوما ما فاغتنمت فرصة وجودي في  مسقط  راسه  الازور بيته انا و كتالينا ذهبنا صباح يوم الاحد و كانت شوارع المدينة خالية تماما  و المحلات مغلقة لانه يوم عطلة و اليوم  هو المرادف للجمعة في الجزائر ذهبنا مع بعض و دخلنا لبيته الذي حول الى متحف دخلنا الى البيت و كان يجب علينا ان ندفع تسعة اورو للتذكرة و لكني كان بامكاني ان ادفع النصف اذا ما اثبت اني طالب جامعي فاعطيتهم بطاقة تعريفي الوطنية كبطاقة طالب و قبلت و دفعت نصف السعر كنت ارتفع في ذلك البيت القديم الذي حافظ على عصره و انا الاحظ جميع ادوات بيتهوفن و رغم ان اللمس ممنوع الى اني غافلت الحارسة و لامست بيانو بيتهوفن فلا مناص من هذا فان لم المسه كنت ربما لاعيش طيلة حياتي متحسرا لاني لم افعل ذلك لذلك قاومت ذلك المستقبل و تمردت على ذلك القانون الداخلي

بيتهوفن كان انسان رائع حقيقة و قد تكلمت مع تمثاله في الغرفة التي ولد فيها و من ثم اتجهت نحو الحديقة حيث لامست بعض الصور لي هناك بعد ان جلست برهة امام عوف افتراضي لبتهوفن في قاعة تشبه الكنيسة و كتبت على الدفتر الذهبي اسمي و اني كنت من زوار ذلك ذلك البيت الموسيقي الرائع

زيارة الى مدينة كولن الالمانية

cl

كولن كانت مدينة جامحة و هادئة مليئة بالالوان و التناقضات  ما كان يعجبني في المدن الالمانية عموما هو البناء الكلاسيكي الاوروبي و الطرق النضيفة فانا لا احب العمارات الشاهقة و لا البنايات الزجاجية العالية فانا ارى في ذلك عنفا في المعمار اما  النمط الاوروبي الكلاسيكي فكان يعجبني كانت تكسر احيانا الاحادية الجمالية الارشيتكتر الامريكي او الاسلامي في بعض الاماكن مما كان يضفي على المكان جمالية اكثر جلسنا لنشرب شيئا و عندما جئنا لندفع المضيفة قطعت لنفسها بقشيشا دون ان تسالنا حتى و قالت لنا دانكشن ( دانكشن لما يخدك رجعيلي دراهمي يا بقرة ) لا لم اقل هذا انا امزح فقط

انور رحماني

كان الكل في ذلك المكان يرتدي البسة غريبة و كان الرجال يرتدون تنانير قصيرة و اجسادهم موشومة و يحتسون البيرة في كل مكان و لكن بين ذلك البذخ في الحياة كنت ارى اطفالا المان فقراء هنا و هناك يبيعون المناديل بسبب جشع الاغنياء الفقراء ي كل مكان على الكرة الارضية

و في قلب كولن وجدت هذا الرجل الذي لا يبارح مكانه منذ ثمان سنوات دعما للقضية الفلسطينية

 

 

انور رحماني

انور رحماني

ترقبوا الجزء الثاني من الرحلة

انور رحماني

 

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *