arablog.org

الجزائر : الاسباب العميقة لازمة غرداية

بعد عودة الهدوء الى اركان غرداية يحق لنا ان نتسائل على الاسباب العميقة للازمة

غرادية

تعددت التحليلات و الاستنتاجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول الاسباب الحقيقية لازمة غرداية بالجزائر فهناك من راح يربطها بالطائفية و الاخر بالاختلافات العرقية في المنطقة و اخرون راحوا يربطونها بالاسباب الاقتصادية و الفجوة الحضارية التي تتضح في المنطقة بين الامازيغ اللذين استطاعوا الاعتماد على الذات و ترتيب امورهم و بين العرب اللذين يعيشون حالة فوضى و فقر بسبب اتكالهم الدائم على الدولة  و اخرون ايضا راحوا يرجعونها الى حصة تلفيزيونية ارهابية كانت بثت مومها قناة اقرء ضد الاباضية التي وصفتهم باقبح الاوصاف و دعت حتى لقتلهم

و في الحقيقة ان جميع تلك التحليلات فيها نوع من الحقيقة و الصواب و لكن في حقيقة الامر ان الاسباب اعمق من هذا فهذه الاختلافات العرقية و الطائفية قد تعايشت معها الجزائر لقرون و لم تكن هناك اي ازمات و لم تؤثر ابدا القنوات التلفزيونية ابدا منذ ولوج الساتيل الى بيت الجزائري على دفعه الى العنف بتلك الطريقة لذا يجب ان نقف من بعيد و ان ندقق جيدا في السيرورة التاريخية و ما حدث من اضطرابات في الشخصية الجزائرية عبر تاريخ الدولة

لقد مرت الجزائر في التسعينات بعشرية سوداء راح ضحيتها مئتين و خمسين الف ذبيح على يد الجماعات الاسلامية المتطرفة التي عاثت في الارض فسادا و كانت تتبنى النهج الطالباني السلفي الوهابي في تكفير عوام الشعب اللذين اختاروا الجمهورية و اصطفوا في خندق واحد الى جانب جيشهم الوطني الشعبي لردع المحاولات الدنيئة في تهديم الدولة الوطنية الحديثة

بعد هذه المرحلة جاء قانون المصالحة ليعفوا عن القتلة الارهابيين و مساعدتهم في الاندماج في المجتمع ثانية و خرجت الجزائر من محنتها بهذا الاسلوب و لكن الذي حدث فعلا هو ان تلك الجماعات و من كان يواليها على الارض استطاعت ان تعيد لم شملها و بناء نفسها قاعديا ثانية و استطاعو خرق بعض اجهزة الدولة و راحوا يتفاخرون بعضلاتهم الكمية امام الدولة

فلم يكن من الدولة سوى ان اقدمت على بعض الخطوات للمحافظة على هدوء تلك الجماعات و كان ذلك نوع من الانصياع الدولة لمشروعهم الثيوقراطي و ذلك للحفاظ على وحدة الدولة و سلامتها و الحفاظ على الامن القومي حيث تم تغيير المناهج التعليمية رويدا رودا لصالح مشروعهم و ان لم يكن من نفس الرؤية حيث عمم التدريس الديني و غيبت المعارف العلمية الحديثة التي لا تتوافق مع الرؤية الدينية

استطاعت مخالب المشروع الديني ان تتوغل اكثر في الاجهزة القاعدية للدولة و ان تسيطر على اغلب الجامعات و اغلب المدارس و اغلب المكتبات التي حولتها الى قاعدة لتمرير مشروعها الاجتماعي و تحريض الجزائريين  على التقوقع اكثر داخل هذا الكهف المظلم

و من الاخطاء التي قامت بها الدولة من اجل ردع هذا المشروع اللاوطني  دعم الصوفيين و رجال الدين من غير السلفيين لردع المشروع الاول متناسين ان كلاهما يحمل نفس المشروع و لكن برؤية مختلفة فعوض ان تشجع الدولة على الفكر البناء التقدمي لردع المشروع الثيوقراطي راحت تختار طرق ملتوية للوصول لنفس النتيجة مما حقق المشروع  الاول بجانبه الاجتماعي اكثر على الميدان

انتشر فكر الانتماء الديني على غير العادة في الجزائر خاصة بين الاجيال الجديدة ضاربا عرض الحائط الانتماء الوطني فاصبح يمثل تهديدا للتنوع الثقافي و الاختلاف في الجزائر حيث ان الجزائر عبر تاريخها كان الاختلاف احد سماتها التي تتعايش معها جموع الشعب لكبر مساحة الجزائر و لتعدد لغاتها و تقاليدها و مناطقها  فان التعددية الثقافية و اللغوية و الفكرية كانت و مزالت موجودة في الجزائر و لكن لكبر المساحة الفكرية التي اصبحت تاخذها التيارات الدينية في وعي الاجيال الجديدة و كذلك عموم الشعب اصبحت ترى في الاختلاف تهديدا للمشروع الثيوقراطي الذي برمجت عقولهم على خدمته

و من هنا جائت ازمة غرداية مع زيادة التطرف الناعم في الجزائر و انصياع اجهزة الدولة للمشروع الثيوقراطي و تغليب صوت العاطفة الدينية على صوت العقل الراجح لبناء الدولة و المجتمع فانزاحت طائفة كبيرة من الشعب الى الانتماء الديني و اصبحت ترى في الانتماء الوطني نسخة طبق الاصل للانتماء الاول و ما اخطر ان يصبح الدين وطنا

ان احداث غرداية هي نتيجة حتمية لكم الكبير و الحجم الضخم من النفاق الاجتماعي الذي تصبغه النكهة الدينية الذي اصبحت تعاني منه الجزائر خصوصا مع دخول قنوات اعلامية جزائرية كبيرة الخط في دعم هذا المشروع و دخول وسائل التواصل الاجتماعي نفس الحيز عن طريق زرع الفكر المتطرف اواسط الشباب لابعاده عن واجبته الوطنية صفحات و قنوات تدعمها بالتاكيد يدين داخلية و خارجية هدفها تمزيق اللحمة الوطنية و اغراق الجزائر في بركان دم و تقسيم البلاد لمصلحة كيانات معادية لذا اي حل في غرداية عليه ان يكون حلا جامعا في كل البلاد يبدا اولا من اعادة النظر في اسلوب تغذية الوحش لابعاد الوحش عن التهام ضحايا فبهذه الطريقة كل ما نفعله هو اننا نقدم للوحش ضجايا مجانا عوض ان يتعب في الحصول عليها نسهل من مهمته في التهام الشعب و ابتلاع المجتمع في مشروعية الديني اللاوطني لذا يتوجب على الدولة اعادة السفينة الوطنية الى تيارها التقدمي و دفع بعجلة التنمية الفردية عن طريق تعزيز حرية الفرد و حمايته من التدخلات الدينية و حسر دور رجال الدين في المعابد و اعادة بناء الجهاو التعليمي في الجزائر في التعليم العادي او العالي من اجل ترسيخ قيم الوطنية و المدنية و تقبل الاختلاف و تعزيز الوعي العلمي لردع الوعي الجاهلي الذي يؤخذ من الدين قناعا ليخدع به عقول الشباب و الا ستتكرر ازمة غرداية الى ازمات في كل ربوع الوطن و سنخسر الدولة الوطنية المدنية بسبب امراض نفسية لافراد مخدرين بالفكر الديني   و سيكون من الغباء الكبير ان تتصرف الدولة خارج هذا الحل لان تكرير نفس الاسباب و نفس الشروط و انتظار نتائج مختلفة هو جنون باتم معنى الكلمة

انور رحماني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *