arablog.org

الجاهزية للدكتاتورية : كيف يصنع الديكتاتور في المجتمعات الفارغة

 

صناعة الديكتاتور

يبقى مفهوم الديكتاتورية ياخذ حيزا فرديا في المجتمعات البشرية  خاصة المجتمعات المتخلفة منها اكثر من الاخرى محصورا في شخص الرئيس يحوزه كصفة ان هو كان شموليا و اقصائيا و متشبثا في كرسي الحكم و قامعا لشعبه و لحرياته و يبقى ذلك المفهوم سلعة يحتكرها السياسيون و يوزعها الاعلام لمن يشاء و يمنعها من يشاء حسب المصالح و الاتوات فتبقى الديكتاتورية نعت يلبسه الحكام دون غيرهم مما يجعلنا نغلق قوس الدراسة فيه على الفرد  القائد للجماعة دون غيره دون النظر الى حيزه و فضائه و المناخ الاجتماعي الذي اتى منه

ان الديكتاتورية هي صناعة جماعية المسؤول عنها الاول هو المجتمع دون غيره فان كان الفرد القائد فيه ديكتاتوريا فهذا لان المناخ الاجتماعي فيه جاهزية لهذا النوع من الحكم بل و ان الديكتاتورية فعل قائم في حد ذاته يزرع كاسلوب حياة في مجتمع ما و يتعايش معه الافراد متخلين عن حريتهم الفردية لصالح الديكتاتور الاعظم (المجتمع ) ثم صالح الديكتاتو الاصغر (القائد)

فالجاهزية للدكتاتورية هي صفة عامة في المجتمعات التي تصلب نفسها في الواح السماء و تتكبر على حقيقتها و تنظر لنفسها بنظرة استعلاء و تحتقر نفسها بتوصيف ذاتها باوصاف اعلى من قيمتها و تنكرها فعليا عن طريق افعالها و اعمالها التي لا تمت بصلة للاوصاف التي تعتمدها  لتوصيف نفسها رسميا لنفسها فتقع في ازدواجية خطيرة و مفارقة غريبة لا تستطيع بذاتها فهمها لما تورجه عن الخصال التي تضن نفسها تمتلكها و عن خصالها الحقيقية فتبقى تترواح بين الخيال الذي تصدقه و الحقيقة التي تكذبها

الجاهزية للدكتاتورية تعني تعود مجتمع ما على نمط اجتماعي مغلق و يرفض التجديد من داخله فيبقى المجتمع متصدئا رافضا لحقيقته مقتنعا بجمالية قناعه  و رافضا لاستقلالية افراده

ان الحياة في ظل مجتمع كهذا يعيش فيه الفرد خائفا من الجماعة و  تعيش الجماعة فيه من اجل قهر الفرد هي حياة بلا معنى فاستقلالية الانسان هي التي تجعله يندمج مع مجتمعه بطريقة طبيعية و تجعل المجتمع بذاته يندمج مع الانسان بطريقة تكاملية و لكن في المجتمع الذي فيه جاهزية للديكتاتورية يرفض نهائيا الخروج عن النمط الاجتماعي الذي يخطه لافراده مما يجعلهم افراد مستعبدين و مسيطر عليهم ينمو وعيهم  في بيئة معادية للحرية فيصبحون يخافون من حريتهم الشخصية كما يبرمجون على حماية هذا المجتمع و تخويف الافراد الاخرين  من الحرية تحت مسميات اخرى كالرذيلة و الفضيحة و السيئة و الحرية المفرطة و غيرها من المصطلحات التي يحاول بها المجتمع كقوة جماعية فرض وصايته بها على الافراد ساجنا لعقولهم مانعا اياهم حياتهم الشخصية و استقلالية قراراتهم الفردية حتى في ابسط ما يكون

ان الديكتاتور في مثل هذا المجتمع هو احد الافراد الاكثر تشبها بمجتمعه فهو يتفانى في الاندماج في الشخصية العامة للمجتمع و يضيف نفسه في خانة المحظورات الاجتماعية موضفا المجتمع في حد ذاته لحمايته كما يحمي المجتمع الطفيلي على الفرد اي فكرة يقدسا بطريقة ما لذا فالديكتاتور هو ثمرة الحب التي يتلقاها الفرد المنصهر بشكل تام في مجتمعه و المجتمع الذي يمسح بشكل تام ملامح و وجه افراده ليطبع فوق وجوههم صورته فيصبح مجتمعا فارغا كون الافراد هم اللذين يملاون المجتمع بتعددهم و تعدد افكارهم و قراراتهم و قناعاتهم و اذواقهم اما السيطرة البشعة التي تقوم بها تلك المجتمعات البائدة المستبدة لا تجعل منها سوى مجتمعا فاشلا و في مثل هذا المجتمع الفارغ لا يسقط فيه الديكتاتور بل تنتهي مدة صلاحيته فقط ليظهر بعده ديكتاتور جديد على نسق : مات الديكتاتور عاش الديكتاتور

ان الاجدر هو اسقاط الديكتاتورية و ليس الديكتاتور فما الديكتاتور الا ديبلوماسي للدكتاتورية و ناطقا باسمها اما الديكتاتورية فهي حالة عامة  و عميقة تفوق حتى النظام الحاكم السياسي و القانوني و الاقتصادي بل تتعداها الى النمط الاجتماعي و البيئة المجتمعية الحاضنة له و للتخلص من الديكتاتورية وجب علينا النظر في الاسباب و ليس النتيجة لقلع الديكتاتورية الى الابد اما ان نبقى نحارب ديكتاتورية الواجهة فقط فنحن بذلك لا نسقط ديكتاتوريا الا لنفسح المجال لديكتاتوري جديد ولو بطريقة مختلفة

انور رحماني

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *