arablog.org

التمكين للطبيعة في تفسير القرآن

القران

ان حياة المسلم مرتبطة بشكل كبير بالنص القراني فهو يضع مقايسه و شروطه و فرائضه و محرماته و افكاره كبرنامج عقلي يتبعه المسلم في حياته و يجعل منه اداة للكينونة لكي يكون مسلما حقيقيا و لكن النص القراني باعتباره في ايمان المسلم نصا ربانيا فهو حسبه نص معجز و تفسيره البشري لا يعد سوى بكونه محاولة بشرية لفهم القران

و مع الوقت اخذت التفاسير البشرية من القداسة ما اخذه النص القراني و في بعض الاحيان اكثر حيث راح ياخذ بعض المسلمين بالتفسير اكثر مما يؤخذون من القران ذاته فمن تناقضهم انهم يعتبرون التفسير المسهل لفهم القران و هم بالتالي يفضلون التفسير عليه باعتباره الاسهل للفهم بكونه البشري و يتركون مهمة تسهيل الشرح للمفسر في حد ذاته دون ادنى جهد ذاتي فيصبح المسلم في العملية سلبيا يتلقى فقط و ينحصر دوره في التنفيذ و التصديق الاعمى للتفسير البشري

لذلك تعددت التفاسير و سارت اليوم بالوان عديدة فهي اكثر من ثمانين تفسير (على حد علمي الشخصي) تختلف بينها احيانا و تتفق بينها احيانا اخرى مما يجعل فهم القران اختياريا بين المسلمين و يجعله متعددا مما يفتح المجال للخلافات الفكرية فالقران واحد و لكن تفاسيره و تاويلاته كثيرة و اذا قدست التفاسير و وضعت في حيز قراني دونما حيزها الانساني فهي ستعمل بكل قوة على ابطال القران ذاته و فكرته الوحدوية

و منه قد يتسال المسلم اي تفسير يختار لفهم القران افضل و ايهم اقرب للرؤية الالاهية لمفهوم الحقيقة

لقد عرفت البشرية منذ خطواتها الاولى فضولا واسعا نحو الحقيقة فكانت حربا فكرية تنشب كل فينة و اخرى بين تيارات فكرية تتجادل حول ماهية الفكرة ذاتها و حول وضع تعريفات و مفاهيم لاصطلاح ما و منه كانت المدارس الفكرية و المذاهب ولكل فيها منهاجه الخاص و طريقته في الاستقراء و فهم الامور بطريقة فلسفية رائعة اتت اكلها احيانا و احيانا اخرى لم تكن سوى جدالا من اجل الجدال  فقط و كذلك هي التفاسير القرانية التي تتعامل مع النص القراني بطريقة تجريدية تقوم على فهم ذات الشخص للاشياء و ليس للتعبير عن ارادة الله التي لا يتم التعرف عليها بالارادة ذاتها للمفسر او رؤيته او للراي الغالب لدى المجتمع و الا ستكون بذلك رؤية المفسر  تعطي انطباعا انها تعبر عن رؤية الاله و بالتالي يصبح المفسر الاها في حد ذاته و ينظر لكلامه دائما على انه كذلك و يصبح التفسير الغالب للقران هو التفسير الاكثر انتشارا او احيانا الاكثر مبيعا و تسويقا فيصبح القران سوقا   و تجارة و الراي الغالب هو راي المفسر الاغنى او الذي يمتلك امكانيات اكبر في التسويق

و لكن مع ذلك يبقى القران دائما في حاجة لتفسير و تاويل مع تطور الامكانيات البشرية المعرفية و ادوات البحث و ان المؤمن بالقران لهو مؤمن بانه كلام الاهي اذن كيف يمكن ان يكون التفسير البشري قريبا للارادة الالاهية لا لارادة المفسر

و الجواب على هذا واضح جدا هو بالاستقراء الثنائي للكلام الالهي و الخلق الالهي حيث يجعل من الطبيعة نفسها المؤول و المفسر للقران فالمسلم يؤمن بان القران هو كلام خالق الطبيعة لذا فمن البديهي القول ان خالق الطبيعة لا يمكنه ان يخالفها فهو ذاته من خلقها اذا باعتبار الايمان بالله خالق الطبيعة فنحن بذلك نسلم على ان القران هو كلام خالق الطبيعة و بالتالي فان الطبيعة و كلام الله هما وجهان لعملة واحدة فعندما نكون في صدد تفسير اية من القران علينا ان نجد مخرجا في الطبيعة لفهمها لا خارجها و عندما يكون تفسيرنا السابق للقران يتنافى مع الاكتشافات العلمية في ميدان الطبيعة فهناك حتما خطء في التفسير و بالتالي فهو خاطيء

فالطبيعة تصبح هي المعيار لفهم القران و بها يمكننا ان نختار من التفاسير الاصوب منها ليس كما نريد نحن او كما يريد المفسر بل كما يريد الخالق في حد ذاته الذي يؤمن المسلم بانه هو الذي جعل في الطبيعة مفاتيحا لفهم كلامه و لكن للاسف اليوم يرى في الاكتشافات العلمية في الطبيعة معاداة للقران و هو بذلك يقر دون ان يشعر بان التفسير الذي وصل اليه من القران و الذي يبني عليه اسلامه ليس صحيحا علميا و طبيعيا و بالتالي هو يتناقض مع نفسه فاما ان يؤمن  ان الطبيعة هي خلق الاهي و بالتالي يجب لفهمه للقران ان يتوافق معها او يفهم القران دون الرجوع للطبيعة و بالتالي يكون قد انكر خلق الله للطبيعة و هنا يلحد دون ان يشعر

و المتؤمل للنص القراني يجد انه فيه حث على استقراء الطبيعة و فهم القران منها ففي القران قسم بالكواكب و بامور اخرى من الطبيعة  من ابسطها الى اعظمها و سور باكملها تسمى باسماء كائنات حية كالبقرة و النحل و غيرها و من هنا نجد ان القران يقر بالحقيقة الطبيعية و لاتصالها به و كما ان الجمل القرانية عادة تسمى بالايات كذلك هو الامر بالنسبة للمعارف العلمية و الاكتشافات في حق البحث في الطبيعة و الكون و هذا واضح في سورة فصلت ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) و في هذه الاية دليل واضح ان تلك الايات في الافاق و في الانفس (الطبيعة و الكون و جسم الانسان و نفسه )  هي معيار الحق و صحة لقوله (حتى يتبين لهم انه الحق ) و في هذا لدلالة هي الاخرى على وجود الحقيقة و الصدق في خلق الخالق و ليس فيما يضنه المفسرون و وحدها الطبيعة هي معيار الصدق في التفسير ايضا

و ان استنطاق الطبيعة لا يكون سوى بالمنهاج التجريبي الذي اثبت فعاليته اليوم و اثبت امكانيته في تفسير الظواهر الطبيعية و ان التجربة هي معيار صدق المعارف في حقل الطبيعة و علومها المختلفة و يستطيع هذا المنهاج ان يلعب دوره هو الاخر في تفسير القران حيث ان التفسير الذي تثبته التجربة من الطبيعة فهو صحيح و ما يثبت عكسه فهو خاطيء و لو كان تفسيره واضحا لغويا في النص القراني ذاته فهو يحتمل سببا تاريخيا لوجوده و  لا يعبر عن ارادة الهية ابدية و انما الارادة الالاهية في القران الاعظم التي هي الطبيعة و هي وحدها الممكنة للمسلم الذي يشدو الحقيقة فهم الاسلام

انور رحماني

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *