arablog.org

المجتمع الديكتاتوري

 

الديكتاتورية

المجتمعات المغلقة تلك المجتمعات المحسورة التي تحبس نفسها في نفسها و تخاف نور الشمس تلك المجتمعات التي تخاف من العلم تخاف من الحقيقة تلك المجتمعات التي اصبحت تخيف افرادها و المجتمعات الاخرى تلك هي المجتمعات التي يجب ان نشذ عنها ففي مجتمع كتلك يخشى فيه فتح الكتب العلمية الموضوعية و الفكرية او الدخول في نقاش صريح حول مسلماته و مقدساته لا يجب ابدا ان نتعامل معه على انه مجتمع سوي بل هو مجتمع مريض لا يستطيع ان يتعامل مع اعضائه باحترام فهو يفقد ثقته في نفسه و يرى في الاختلاف تهديدا لبقائه و هذا يدل على نقص كبير في قدراته العقلية و في ذكائه الاجتماعي   “تلك هي المجتمعات التي تعشق التخلف حتى النخاع و ترى في الجهل علما و في العلم جهلا  فبئس لها من مجتمعات”

و ان المجتمع اذا اصبح يقدس الاغلبية و يحتقر الاقلية او يقدس الراي الغالب و يذم الراي النادر و يتبع التيار الاقوى و يسحق الاخر الذي يبدو ضعيفا فانه يصبح مجتمعا ديكتاتوريا لا يقبل الاخر يجعل من الاغلبية اداة لقهر الاقلية و يحاول جاهدا محو الاختلاف بالمشابهة العمياء و تقمص الشخصية العامة و محاولة طمس الراي الصريح و معاقبة المختلف عن الجماعة دون ادنى احترام للطبيعة الانسانية التي تقتضي الاختلاف

فهذا المجتمع يخلق بقوة الاغلبية نظاما  اجتماعيا ديكتاتوريا عنصريا يقيد الحريات الفردية و الفكرية تحت عدة مسميات و ذرائع كالحفاظ على الهوية او الحفاظ على الدين و في النهاية كل تلك الذرائع هي عبارة عن اعذار واهية لتبرير تسلطه فالمجتمع الذي تحكمه الاغلبية بشكل تسلطي و لو كان بطريقة ديمقراطية مستغلين فيه هاته الاخيرة لقهر الاقليات او المختلفين يخلق شخصية موحدة فان نطق الفرد فيه ينطق باسم الجماعة فهو لا يستطيع ان يفكر بنفسه و انما يحتكم للراي العام الغالب في صناعة افكاره و بالتالي لا شخصية للفرد بل هي تذوب في المجتمع

و في اغلب الاحيان المجتمعات الديكتاتورية تهين علمائها و مفكريها و فلاسفتها و مثقفيها بينما تكرم رجال الدين و تسميهم عادة ب ” الاصلاحيين ” بسبب افكارهم المحافظة التي تصب عادة فيما يريد سماعه المجتمع من اطراء و غزل في افكاره المتسلطة و العنصرية بينما تسمي عادة تلك المجتمعات الافراد المفكرين و المجددين بالخونة لشذوذهم عن المجتمع و تبينهم لافكار اكثر تقدمية و لقدرتهم على نقد الديكتاتور (المجتمع ) بحرية دون خوف منه

فللمجتمع الديكتاتوري اداوات لممارسة قمعه على الافراد و على راسها ” الدين ” حيث يعتبر هذا الاخير عادة العصا التي يضرب بها النضام الاجتماعي الديكتاتوري افراد المجتمع لترويضهم و ابقائهم داخل الحضيرة و لاخضاعهم لمباديء القطيع و افشال اي فرصة او محاولة لتكريس القطيعة بين الفرد و العقلية المجتمعية الديكتاتورية فالدين عادة يكتسب القداسة فيصبح الافراد مجرد حراس عليه و يستطيع رجال الدين بسهولة اقناع العامة بضرورة اضطهاد الفرد بتوجيههم بتفاسير و تاويل دينية او بافكار لها صلة بالدين لذلك نى ان الانظمة السياسية تستغل رجال الدين لاخضاع المجتمع لاحكامها و تسهيلا لقمع المتمردين

و التخويف هو الاداة الاكثر استخداما لدى اي ديكتاتور في العالم و ما بالك ان كان هذا الديكتاتور مجتمعا بكل افراده حيث  يستعمل هذا المجتمع كل انواع الاضطهاد للحيلولة دون بروز اصوات مقاومة له فهذا المجتمع يمارس التعذيب النفسي على  افراده و يقتل فيهم التفكير و يحاصر فيه العقل الفردي و الجمعي و يستغل الفراغ الذي يحدثه فيه من اجل برمجته و غسل مخه فيصبح مجرد الة تطبق ما تؤمر به من افكار فقط و لو على حساب مصلحته

و المجتمع الديكتاتوري يعمل عادة على تطويق اداوت الاعلام و جعلها تهدف الى نفس الفكرة الجامعة الغالبة فيمنع الكتاب من الادلاء باصواتهم و الروائيين من انتاج خيالهم  و يحد من ابداع الفنانين و اختراع العلماء و اكتشاف الباحثين و تحليل الفلاسفة و تفكير المفكرين وكذلك يمنع كل ادوات النقد الموضوعية للافكار و يكرس العنف الجماعي و يستدرج المثقفين و يغريهم بكل انواع الاغراء لكي يجعلهم ابواق لنشر نفس الافكار

قد نجد في مجتمع ما ديكتاتورية اجتماعية توازيها ديكتاتورية سياسية احيانا الديكتاتوريتين لا يحملان نفس الافكار و لكن في غالب الاحيان يستخدم بعضهم بعضا لاخضاع المجتمع اكثر فكلاهما يستفيد من وجود الاخر بطريقة ما و ان كل اشكال المعارضة التي يبديها احدهما للاخر هي معارضة ديكتاتوري لديكتاتوري لن ينتج عنها سوى ديكتاتورية جديدة على انقاض ديكتاتورية قديمة

ان واجهت في حياتك اي مجتمع ديكتاتوري فاعلم ان المقاومة واجبة لا يجب ابدا للفرد ان يخضع للمعيار العام ان كان هذا المعيار غير صحي  و حتى ان كان صحيا فعلى الفرد ان يكون دائما حرا على ان لا يؤذي غيره و ان الاسلوب الوحيدة للمقاومة هو خلق الاختلاف و الدفاع عن الحريات الفردية و الفكرية في المجتمع حيث يجب على الديكتاتورية ان تسقط مهما كانت اجتماعية او سياسية او فكرية

انور رحماني

  1 comment for “المجتمع الديكتاتوري

  1. 17 أبريل,2015 at 11:00 م

    الحقيقة واضحة والجميع يعرفها

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *