arablog.org

الحركية الفكرية و الجمود الايماني

انور رحماني

ان الانسان بطبعه يفكر فهذه الالية هي التي تجعل الانسان يصل لانسانيته و يرتقي على الحيوان و الفضول هو المحرك الاول للسؤال الذي يؤدي الى اجابات محيرة اكثر من اسئلتها قد تؤدي الى الشك الذي بدوره يقود الانسان  بالضرورة نحو التفكير و ان التفكير لهو الاداة و الوسيلة الامثل لايجاد الاجوبة اذا ما ربطت بالمنهاجية الصحيحة و المعارف الشاملة و ان فكر الانسان فهو يقوم بالوظيفة البشرية و كم هو الانسان في حاجة ماسة للتفكير فهذه الحركية الدائمة في عقله و وجدانه تجعله يكتسب معارفا و مهارات جديدة تحسن من حياته  و ظروفها على عدة اصعدة كل يوم

ان الحركية الفكرية  في المجتمع هي ذلك الصراع الفكري الايجابي الذي يحتكم لمعايير علمية ينتج عنه توافق فكري في النهاية او جدال اخر و صراع اخر يبقى على نفس الوتيرة الايجابية في ذات المجتمع فان كان التفكير في الحالة الفردية هو حوار داخلي بين الانسان و نفسه فان التفكير في المجتمع هو حوار داخلي بين افراد المجتمع فلاباس ان يتعارض الافراد في قلب المجتمع الواحد على افكار معينة او على كل الافكار فهذا الخلاف اذا ما ادير بشكل جيد من وسائل الاعلام و السلطة العامة بما ي مهكفل الحق العام في الاستنتاج فانه سيفيد المجتمع ولن يضره بينما ستؤدي الدوغمائية و تكريس الاحتقال و الضغينة بين المتحاورين الى التطرف و الانزلاق في الانقسام

و لعل اهم معوقات الحركية الفكرية في المجتمع هي الدوغمائية الدينية و الجمود الايماني فترسخ بعض المفاهيم و اكتسابها القداسة في مجتمع ما يجعل من مهمة نقدها او معالجتها و تطورها مهمة صعبة جدا فالجمود الايماني سواءا كان دينيا او اديولوجيا معينا يرفض الراي الاخر فهو يعتبر الفكرة المقدسة غير قابلة للتجديد و يحاول فرض جموده على افراد المجتمع  و افكارهم فالمجتمعات المصابة بهذا الداء تجعل من نفسها حارسة للجمود الايماني  الذي يؤدي الى الركود الفكري  فتضيق الخناق على المفكرين و المبدعين و الفنانين و الفلاسفة و الباحثين و الناقدين و العلماء مما يجعل الية الوصول للمعرفة متوقفة بشكل كلي و التقدم الفكري في المجتمع بطيئا جدا او منعدما تماما حسب حجم  الركود الموجود

فالفكرة اذا ما قدست او وضعت فوق مجال النقد و الدراسة تصبح وحشا كاسرا و سلاحا فتاكا يحسر الامم و المجتمعات فيه فتجعل من افراده روبوتات تعيد و تنفذ ما تامر من طرف تلك الفكرة التي تبدو انها موروثة من جيل الى جيل بطريقة متواصلة جعلت المجتمع يكتسب ادمان عادتها و لا يستطيع التخلص منها او على الاقل التخلص من طغيانها

و المجتمعات المصابة بالجمود الايماني و هنا لا اقصد الدين بالضرورة بل اي اديولوجية كانت او فكرة من تحت اي منظور ترى في الحركية الفكرية خطرا يهدد سلامة المجتمع الذي يدخل اصلا في حالة انكار لذاته و يجعل من تلك الفكرة السبب و الغاية من وجوده ايضا فيتبدد المجتمع مع الوقت و ينصهر مع المجتمعات المشابهة و المقدسة لنفس الفكرة مما يزيد الخناق على المفكرين في ذات المجتمع  و ان التعصب لها و جعلها فوق الانسان و كرامته و حقوقه و حريته  لهو امر خطير فهي لا تصبح فقط تهدد التقدم الفكري في المجتمع بل تصبح اداة في يد المجتمع للقهر و التسلط بما يهدد حياة الافراد و مدى مشاركتهم في الحياة العامة

انور رحماني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *