arablog.org

الالحاد في الجزائر : حق دستوري يجابه النفاق

 

alger

ان للمسلم حق ان يصلي و ان يصوم و ان يؤمن باله خلق الكون في ستة ايام و له الحق ايضا كمسلم ان يؤمن ان المراة خلقت من ضلع الرجل الاعوج و له الحق ان يؤمن ان الارض مسطحة و ان الملائكة تطير في الفضاء للمسلم ايضا الحق في ان يؤمن ان الله سيحرق كل من يشكك في وجوده في نار جهنم و لكني ليس لديه الحق فان يفرض ايمانه على الاخرين فمن حق الملحد ايضا ان يؤمن بان  الكون جاء في ثلاثة عشر مليار سنة و ان الرجل هو من خرج من مهبل المراةو ليست المراة من خرجت من ضلع الرجل و ان الارض بيضوية الشكل و تدور حول الشمس  و لديه الحق ان يؤمن بنظرية التطور و البيغ بانغ و كل العلوم الدقيقة التي تنجم عن دراسات رياضية و فيزيائية و ليس لديه الحق في ان يفرض رايه هو ايضا

و ان حرية التعبير عن التوجه الفكري لا يهدد الاخر بالضرورة و لكن ما يهدده بالفعل هو التزمت و التعنت و الدوغمائية بكل اشكالها و التي في النهاية تؤدي الى التطرف و الذي بدوره يؤدي الى العنف و الارهاب بما يهدد كيان المجتمع ككل و يهدد حياة افراده

فالعجيب و الغريب ان يطلب المجتمع من الملحد ان يسكت و ان لا يعبر عن ارائه و بالمقابل يتحصل على ادنى حقوقه و هو الحق في الحياة و الذي يعتبره المجتمع احتراما و انجازا كبيرا في حقوق الانسان فالملحد بتعبيره عن ارائه فهو يحاول الدفاع عن نفسه و حقه في الحياة وما يثبت به ايضا انه غير مصاب بخلل عقلي  او مرض نفسي مثلما يروج له المجتمع و يثبت انه في كامل قواه العقلية فلا احد يلحد في الحقيقة لانه يريد فقط التمرد على قيم المجتمع او لانه يحلم بزيارة برج ايفل او تمثال الحرية القابعان ربما في جهنم بل هو يفعل ذلك نتيجة لعملية عقلية انسانية بحتة تسمى ” التفكير” و الذي يكون بالضرورة اعمالا لوسيلة عضوية  طبيعية في جسم الانسان و هي العقل و ان الطلب من “الملحد”  ان لا يفكر هو طلب قليل الادب في ادنى اشكال التوصيف ولا احب ان اسميه تخلف و همجية بالرغم من ان  الطالب لمثل هذا الامر “يستاهل” هذا التوصيف

و ان اصحاب “تيار تديين كل شيء” قد غيرو كلمة ” التفكير ” بمصطلح يخدمهم اكثر و هو ” التفكر ” فالتفكير بالنسبة لهم الية معقدة و ربما حتى محرمة فمحركها الاساسي هو الشك الذي يقود الى السؤال و الذي هو مفتاح التفكير و الشك  بالنسبة لهم  ((كفر)) فهو ينطلق من فكرة ان لا بداية سوى بالبحث حيث ان المفكر في غالب الاحيان يتوقع الخطء في معلوماته السابقة و يكون بحثه موضوعيا لا تمتزج به العواطف  و ان المفكر و الباحث الحقيقي يصبو الى الحقيقة كما هي و ليس كما يريدها ان تكون اما التفكر فهو عملية مبتدعة اخرجتها الى الحياة عملية التقوقع على الماضي و على وهم الحقيقة الناشفة القابعة في كتب الدين فالتفكر ينطلق من فكرة سابقة يتوقع صاحبها انها حقيقة مطلقة و يسمى ذلك التوقع عادة ب “الايمان ” فان كان الفضول المعرفي يقود الى التفكير فان الجمود الايماني يقود الى التفكر فحتى وزن الكلمة الاخيرة هو على وزن التفعل والذي يدل على على تاكيد واضح لعملية التفاعل و التي تدل هنا على امتزاج لهدف البحث و محتوايته العنصرية التي تكون بالضرورة من الافكار التي يلزمها الايمان في حد ذاته عكس التفكير و الذي هو على وزن تفعيل و للدلالة على تفعيل العقل و الفكر بغض النظر على ارضية البحث و التي تكون بالضرورة بلا هدف شخصي ايماني اديولوجي بل لهدف واحد هو المعرفة في حد ذاتها كما هي و ليس كما يجب ان تكون

و ان القينا نظرة على المجتمع الجزائري فان ظاهرة الالحاد ظاهرة ليست غريبة عن هذا المجتمع  كما يروج له في بعض وسائل الاعلام فالملحدين في الجزائر تتجاوز نسبهم كل حدود المتوقع فمنهم من يقول ان النسبة تتجاوز عشرين بالمائة و منهم من يقول انها تتجاوز الثلاثين او الاربعين بالمائة و يتمركز تواجد الملحدين بكثرة في منطقة القبائل و التي تعرف ثورة فكرية و ثقافية كبيرة و كذلك في المدن الكبرى و بعض القرى و المداشر التي عانت من الارهاب الاسلاماوي العفن في التسعينات و بغض النظر عن نسب الملحدين فان الجزائريين في غالبهم مسلمين غير مطبقين بمعنى لا يعرفون عن الاسلام سوى رمضان و عيد الفطر و عيد الاضحى و الحج فالاغلبية الساحقة من الشعب الجزائري ليسو مسلمين سوى بالاسم بايمان لذات الاهية اشبه بايمان بالغولة منه بالايمان بشخص حقيقي يسمى الله فاغلب الجزائريين يسبون هذه الذات التي يدعون انهم يؤمنون بها اكثر من شربهم الماء  فلا عجب ان يصنف الشعب الجزائري على انه اكثر الشعوب مسبة لله الى جانب الشعب الامريكي  كما ان الظواهر العلمانية قوية جدا و الكل يعلم ان اكثر بلد به قوى اشتراكية و شيوعية قوية فيما يسمى بالعالم العربي هي الجزائر ولا يغريك مشهد الحجاب في هذا الوطن فاغلب النساء المرتديات للحجاب علمانيات و منهن حتى الملحدات و اعرف منهن الكثير انا شخصيا  كما يقدم العديد من الفنانين الجزائريين فنا مضادا لفكرة الدين و الاله و منهم العملاق ” معطوب لوناس ” الذي اغتاله الارهاب و الذي اصبح اليوم معبود الجماهير و الامازيغ في الجزائر فلا يعقل ان يستمع اليه مثلا من لا يؤمن بافكاره و هو اليوم حطم كل ارقام المبيعات

ان المجتمع الجزائري ككل يعاني نفاقا اجتماعيا رهيبا انعكس على اعلامه فالجزائري الذي يستهلك اكبر معدلات الخمر في قارة افريقيا هو نفسه الاكثر حرسا على ان يتم منع المشروبات الكحولية كاسلوب لمرواغة الشعب و التستر على ما يفعل بالرغم من ان الخمر و ما شابه اصبح امرا عاديا جديا وبل هو كذلك منذ ان فطمت الجزائر و بدات سنواتها الاولى و قبلا

ففي احدى الحلقات في قنوات الاعلامية الجزائرية على سبيل المثال  تمت استضافة ملحد جزائري الذي بدوره راح يعبر عن سبب الحاده بحجج و براهين علمية مستعملا في الوقت نفسه اللغة الفرنسية ولا عجب فاغلبية الكتب و الكتاب و المفكرين الجزائريين اللذين يمتازون بالموضوعية و جدية الطرح هم من الفرنكفونيين في هذا البلد على عكس الكتب المعربة التي باتت تنهال من ثدي التطرف و التكفير و الارهاب و تسقي به عقول الشباب الجزائري اما المذيع فراح يساله باستغراب الم تشكك ابدا بنسبة واحد بالمائة انك على خطا فكان الملحد الذي يمتاز بالصراحة و الموضوعية يرد نعم اشك ولكن بنسبة ضئيلة و لكن نسي المذيع ان يسال نفسه هو في حد ذاته الم يشك هو ايضا و لو بنسبة واحد بالمائة انه على خطا باتباعه الاسلام فالاثنين افكار و اغلب الضن ان المذيع ليس بذلك المسلم المتطرف او المتعفن بل يبدو عليه الاعتدال و ايضا الاصغاء للراي الاخر و هذا امر جميل و لكن ان يختم بقوله ان الملحد منحرف عن الطريق و يبحث عن مساعدة فهنا يكون قد تجاوز عتبة التطرف و دخل فيما اخطر و هو الانكار ” انكار راي الاخر و انسانيته و عقلانيته” و يعامله على اساس انه يعاني مرض نفسي او عقلي و يحتاج الى العلاج و الذي حسبه سيقدمه رجل الدين الذي يرتدي عباية و يضع لحية و هي الصورة الكامنة في لاوعي اي شخص في الحقيقة لصاحب الحقيقة بالرغم من ان الحقيقة بعيدة كل البعد عن تهييص و جنون و خرطقة الكهنة و رجال الدين

هناك دراسة امريكية تقول “ان الولايات المتحدة الامريكية لو تخلت عن المؤمنين في بلادها و نفتهم خارج البلاد فستخسر تسعين بالمائة من المجرمين في السجون بينما لو تخلصت و نفت الملحدين من امريكا فانها ستخسر تسعين بالمائة من العلماء في الاكاديمية الوطنية للعلوم و في ناسا ” فلا عجب ان اغلبية العلماء في العالم من الملحدين و اللادريين و اللادينين فحتى اغلب امتحانات الذكاء في العالم تؤخذ الالحاد كمؤشر و معيار لنسبة الذكاء و ليس كون الالحاد هو الحقيقة بالضرورة و لكن قدرة العقل على التفكير و رفض النمط السائد و المعلومات السهلة فلا عجب ايضا ان تجد العلماء المسلمين ( اقصد علماء العلوم الدقيقة كالعلم الطبيعية و الفيزيزياء و الفلك و غيرها و ليس الفقه الشرعي ) اكثر المسلمين تجديدا لنمط معيشتهم و طريقة تفكيرهم و هنا ليس الاسلام هو الحقيقة بالضرورة و انما طريقة تفكير هاؤلاء الرافضة ايضا للنمط السائد و المعلومات السهلة و ستجدهم بالتاكيد قد مرو و لو مرة في حياتهم من معبر الشك و الالحاد

و الالحاد في حقيقة الامر هو حق دستوري يدخل ضمن حرية المعتقد و الدين  و الراي كما ان الدستور الجزائري يحمي الانسان و المواطن الجزائري مهما كانت ارائه او معتقده او دينه في باب كامل من الدستور الجزائري يسمى المباديء العامة التي تحكم الشعب الجزائري و ان الحرية الفردية هي مقياس التعايش  فمن حق اي مسلم ان يعبر عن سبب ايمانه و من حق اي ملحد ان يعبر عن سبب الحاده ولا يجب ان يعتدي اي طرف على الاخر باسم الاقلية او باسم الاغلبية فعلى الطرفين ان يقدمو الحجج و البراهين لا الانفعلات الواهية و التعصب الغير مجد للنفع و  الحوار  يجب ان يكون على اساس الاحترام المتبادل و الاصغاء  و على استعداد لتقبل الحقيقة ان كانت تعارض معارفه السابقة مهما كانت دينية او الحادية و ان المتهرب الاول من الحوار و اللاجيء للعنف هو بالتاكيد الخاسر بسبب عدم حوزته على الحجج المنطقية الكافية كما ان الحوار يجب ان لا يكون من زاوية دينية فالملحد اصلا ينكر الدين بل يجب ان يكون الحوار اصلا موضوعا على قاعدة علمية و منهجية موضوعية  يكون النقاش ليس بين الالحاد و الاسلام بل بين نظرية التطور و الصدفة و النظرية الخلقية و من ثم اذا اقنع احد الطرفين يتطور الحوار الى شكل اخر و لكننا نرى الحوار في مثل هذه المواضيع شبه معدوما  و ان تطور يكون حوار بيزنطي لا فائدة مرجوة منه سوى الزيادى في تخلف الشعب و زيادة الحقد و التطرف بين افراده

و بعد كل هذا اقول ان الملحدين هم شريحة من المجتمع الجزائري لهم نفس الحقوق و عليهم نفس الواجبات و اغلبيتهم من النخبة الجزائرية و من الاطارات و يمسكن مناصب عمل حساسة او على اقل تقدير جيدةفمنهم الاطباء و المهندسين و المحامين و غيرهم و يجب ان يكون تعامل الاعلام مع ظاهرة الالحاد او غيرها تعاملا موضوعيا وليس تعاملا راديكاليا او دينيا او عنصريا فمن حق اي شخص ان يفكر ولا يحق لاي شخص ان يسلب هذا الحق من شخص اخر مهما كان توجهه و قناعته و فوق كل هذا حقه في التعبير عن افكاره و المشاركة في بناء المجتمع

انور رحماني

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *