arablog.org

الصراع الفكري في المجتمع الجزائري

algeria

يشهد المجتمع الجزائري انقساما رهيبا قد يهدد امنه القومي اذا ما تنامت حدة الصراع النمطي بين المحافظين و المجددين و زادت طيور الضلام من الاسلاميين الاستئصاليين و المتطرفين من سطوتها و توغلها في الاجهزة التعليمية و التنفيذية و  الامنية كذلك و زاد المتطرفين من الجهة الاخرى المجددة العلمانية  تكبرهم على الشعب و الانزواء بافكارهم بلغات عمياء لا تفهمها سوى النخب التي لا حاجة لها بها فيزيد معها جنوح الشعب نحو الكفة الناشطة فيتغلب الكبت الفكري على النمط السائد من التفكير و و يتوغل معه النفاق الاجتماعي الحاد فتتغير طريقة تعبير الشعب عن افكاره من طريقة فكرية بحتة الى العنف المقدس و الجريمة البيضاء التي تكتب فاعليها من الشهداء و الاتقياء و تعدهم اشرارا ضحاياها الابرياء

ان الصراع الفكري لبد له من ان يكون في اي مجتمع من اجل تحقيق اتزان في عقلية المجتمع الواحد و دونه تفقد المجتمعات قدراته الفكرية فتصبح معاقة فكريا و يكتب لشعبها الركود الاجتماعي المسبب لكل الافات و الامراض الاجتماعية

و ان اكثر ما يهدد هذا الصراع الفكري المحترم قرينة الاستئصال التي تمتاز بها بعض النخب التي نحسبها نخبا و ما هي سوى فيروسات فكرية من اي مشرب اديولوجي او عاطفي كان اسلاميا او علمانيا تهدف الى تحويل الصراع الفكري الى استقطاب حاد يقسم الشعب و يهدد وحدته و كيانه المتماسك فتتحول ارضية السياسة التي خلقت لتعبر في ادنى مستوياتها عن وحدة الشعب و الامة الى حقل للرماية و الالغام و كذلك الى كرة قدم بمناصرين يمتازون بالعنف و عصبية خانقة تؤدي في النهاية الى انعدام القوى الجاذبة فينعدم معها المجتمع ككل و يصبح في خبر كان

فالخطاب الاستئصالي سيؤخذنا الى متاهات لا تحمد عقباها على المحافظين و العلمانيين معا ان يعرفو انه لا احد بامكانه ان يستاصل الاخر لان المجتمع هو شكل مكبر للفرد نفسيا للمجتمع ايضا ليبيدو (الهو) والانا و الانا الاعلى ان دور العلمانيين( الليبراليين و الشيوعيين و الماركسيين و الاشتراكيين و اللائكيين ) و المحافظين (الاسلاميين و القومين و الوطنيين) هو تحقيق توازن في انا المجتمع اذا ما الغي تيار المحافظين نهائيا سيحدث شرخ كبير في انا الاعلى المعبر عن المجتمع في السياسة فتفقد سياسة السلطة رادعها الاجتماعي فتتولد لدينا افات اجتماعية خطيرة و مع الوقت يفقد المجتمع اخلاقه و يصبح مجتمعا ماديا بحتا و بينما لو ازلنا التيار العلماني سيصبح لدينا مجتمعا معقدا مكبوتا محروما من حرياته الفردية و الجماعية و سيتحكم الانا الاعلى في الضمير الجمعي ولا يجد له من منافس فيصبح لديما مجتمع منغلق يعيش في الخرافات و العقلية الناشفة لبد لتحقيق التوزان في نفسية الواجهة السياسية و الفكرية لاي مجتمع من توفر عنصرين “المجددين على شاكالهم ” و “المحافظين على اشكالهم ” و لبد من توفر عقد اجتماعي يحرس لمجتمع في حد ذاته على الحفاظ عليه يكون بمثابة تنازل لكل تيار للاخر بحرية التعبير و الحق في الاصغاء و ان يتعلم الطرفين المشاركة و ان يمتثل كلاهما لمتطلبات المجتمع لتحقيق اتزان في الانا الجماعي و الا فان الصراع الغير عقلاني الذي يدعو لاستئصال تيار لاخر سيؤدي في النهاية الى جنون المجتمع و احذرو المجتمعات ان جنت

انا المجتمع

و ان مصطلحي محافظون و مجددون مصطلحين شاسعين من حيث المعنى و الاسقاطات و لكن يبقى الامر الاكثر شيوعا في مجتمع مثل المجتمع الجزائري هم الدينيون الاسلاميون و الوطنيون القوميون بالنسبة للتيار المحافظ اما العلمانيون و اللائيكون و السيكولاريون و الشيوعيون و الاشتراكيون و الماركسيون و الليبراليون فبالنسبة للتيار المجدد و الامر سيان في المجتمعات المشابهة و يختلف بعض الشيء من موطن لاخر فليس دائما التيار الديني هو التيار المحافظ في كل البلدان فلكل مجتمع اناه الاعلى و مفاهيمه الخاصة و طريقة نظرته للاخلاق فالاخلاق نسبية كما ان التفاوت العلمي و التكنلوجي و المعرفي و الثقافي بين البلدان يخلق هذا الفرق في اكتساب المجتمعات لاناها الاعلى

و ان حاجة المجتمعات من بينها المجتمع الجزائري الى نخبها كحاجة جسم الانسان الى عقله فالمجتمع دائما ينتظر من نخبه احداث التغيير خاصة في النمط المعيشي الغالب فالفرد بطبعه يميل للتغيير ليقتل الروتين الذي يعتبر العدو الاساسي لاي فرد كان في المجتمع و بالتالي المجتمع ككل  و ان الصراع الفكري القائم بين نخبه على مختلف تيارتهم هو بمثابة صراع داخلي فالانسان العادي لا يستطيع ان يفكر الا اذا ما احدث منولوغ بين نفسه و نفسه اي بين اطراف نفسه ثم يستخلص نتيجة ما تكون توافقية بين تلك الاطراف النفسية و نفس المعادلة بالنسبة للمجتمع و اذا ما الغينا هذا الصراع الفكري القائم باحدى الطريقتين اما تفكيك النخب و اعاقتها و حرمانها من التعبير مثل الديكتاتوريات فيتولد لدينا مجتمع روبوتي لا فكر له و لا فكرة يتقوقع على ذاته يحارب نفسه بنفسه ليحقق اتزانا نفسيا وهميا بايهام نفسه بانتصار على ذاته يكون هو في حد ذاته فاشلا في نفس وقت الانتصار و هناك طريقة ثانية لنهاية الصراع الفكري هو زيادة حدته لدرجة لا تطاق فيصبح المجتمع على صفيح ساخن فينتقل الصراع الفكري القائم بين النخب الى افراد المجتمع العاديون فيلتجاون الى اساليب اخرى في التعبير كونهم لا يتحكمون في الطرق التعبيرية اللغوية فياخذون من العنف سبيلا لذلك

و المشكلة القائمة اليوم ان طرفا الصراع من المحافظون و المجددون لا يجدون نقاط اتفاق فيلتجاون الى تمرير اللعبة الى الشريحة الاجتماعية الواسعة فيدمرون بذلك الصراع الفكري السليم و يضعون حدا له غير ابهين الى فقدان المجتمع لاناه و انقسامه على نفسه مما يولد على اقل تقدير حروبا اهلية و مجازر ان لم تكن في حق البشر على الاقل ستكون في حق الشخصية الوطنية و تهدد في اقصى تقدير وجود المجتمع فتهدد بزواله فالصراع الفكري هو الفعل المحدث للشخصية الوطنية فهو عقل المجتمع في حد ذاته و ان فقد مجتمع ما عقله سيصبح بالتاكيد في خبر كان

و للصراع الفكري مساويء ايضا في الجزائر من حيث اهتمامات الطبقات السياسية و النخب الفكرية فنجدها تهتم بالمواضيع السياسية و الاقتصادية و حتى القانونية و كلها شراهة الى مناصب الحكم و الاستلاء على السلطة باي طريقة كانت و لو على حساب الصالح العام و انه لمن الخطير حسر اهتمام النخب في المجتمع على تلك الاهداف السياسية البحتة فيتناسون بذلك تلك الشرائح في المجتمع التي لا صوت يذكر به كاصحاب الاعاقات العقلية مثلا و غيرهم الكثير اللذين يعانون بصمت دون ضجة حيث تخطف النخب السياسية في المجتمع الاضواء فلا يؤخذ هاؤلاء نصيبهم من اهتمام المجتمع و السلطة على حد سواء و ان هذا الامر لاخطر على المجتمعات من الاسلحة النووية و الارهاب فالتمييز يحدث شرخا كبيرا في الشعور الجمعي في المجتمع و يؤدي في النهاية الى التفكك البطيء الذي هو في حقيقة الامر اخطر من التفكك السريع فان كان هذا الاخير يعطي جرس انذار يعطيك فرصة لاصلاحه اما الاول فتتراكم على المجتمعات اثار تفككه الا ان يباغته في اللحظة الحرجة فيكون من الصعب اصلاحه كونه يكون نتيجة سنوات طويلة من التفكك

و على النخب ان تعرف انها ليست وصية على الافراد ولا يحق لها حرمان بعضهم من حقهم في التعبير باي شكل من الاشكال و ان كان في تعبير هاؤلاء من لا يروق النخب على اختلافها فالمجتمع يبدا من الفرد الفرد هو المجتمع في حقيقة الامر و الفرد هو اساسه لذا فعلى افراد المجتمع ان يكون على حد سواء من الحقوق و الواجبات و ان يكونو احرارا متساويين في الكرامة فالاختلاف هو نواة الصراع الفكري الايجابي السليم و يجب احترام الاختلاف مهما كان و تجنب الوقوع في خطر فقدان انا المجتمع و كينونته

انور رحماني

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *